المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

584

الشخصيّة تقع الانصدامات والتشاحّ المستمرُّ بين الناس في لذائذهم ومصالحهم ومآربهم، وتنتج من ذلك الصراعات المريرة، والتكالبات على الاُمور التافهة والجزئية، والسقوط في حضيض الرذائل والقبائح والمحرّمات.

وهذا علاجه عبارة عن توسيع أُفق النفس عن طريق حمل هموم واسعة رفيعة تترفّع عن الجزئيات من ناحية، وتتسع عن الضيق الموجب للتصادم والاصطكاك من ناحية أُخرى.

والنقطة التي كان يركّز النظر إليها في المحفّز الأوّل وهو المثل الأعلى مفهوماً، كانت عبارة عن الفاصل في العمق بين المستوى النفسي الذي وصل إليه المربّى والمثل الأعلى الذي يطمح الوصول إليه، في حين أنّ النقطة التي يركّز النظر إليها في هذا المحفّز عبارة عن ضيق أُفق النفس وسعته. وعلى أيّ حال فهما متقاربان ومتداخلان.

والطفل الذي يكون همّه اللعب بالتراب وما شابه ذلك، قد يصبح في العمر والفهم إلى مستوى يدرك أنّ هذا لا ينفعه، وأنّ الذي ينفعه هو ما ينشغل به الكبار من بناء البيت، أو ترتيب وضع العائلة، أو التجارة، أو ما إلى ذلك، ولكنّه ما دام مكفولا من قبل أوليائه ومنصرفاً إلى الألعاب الطفوليّة، تراه لا تنمو همّته، ولا يتّسع أُفقه النفسي، في حين أنّه لو فجع بموت وليّه وإحساسه بالمسؤوليّة تجاه العائلة ـ مثلا ـ تراه يتحوّل في وقت قصير من المستوى الضيّق من الهموم إلى مستوى أوسع، ويترفّع عن كثير من السفاسف التي كان لا يترفّع عنها، على أساس أنّه ابتلي بحمل هم واسع رفيع لم يكن حاملا له قبل ذلك.

والإنسان الذي يعيش في أُفق بلد صغير متداني الأطراف ومتضارب المصالح، تراه أضيق أُفقاً من الذي يعيش في دائرة واسعة تقلّ فيه مرتبة تضارب المصالح والمآرب.