أمّا ما أشرنا إليه من إمكان الاعتقاد بوصول النبيِّ الخاتم(صلى الله عليه وآله) إلى مرتبة الشهود والحضور، فهو أمر مستوحى من قوله سبحانه وتعالى: ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّة فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالاُْفُقِ الاَْعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾(1) فقد ذُكِرَ لهذه الآيات المباركات تفسيران:
التفسير الأوَّل: إرجاع الضمائر إلى جبرائيل. وأنَّ الاقتراب قاب قوسين أو أدنى كان بين النبيِّ(صلى الله عليه وآله) وجبرائيل. وأنَّ الرؤية الواقعة مرَّتين هي: رؤية جبرائيل بصورته الأصليَّة.
والتفسير الثاني: أنَّ الضمائر راجعة إلى الله. وأنَّ الاقتراب لم يكن مادِّيَّاً، وكان اقتراباً من الله. وأنَّ الرؤية رؤية بالفؤاد لا بالعين الباصرة. وعلى هذا الأساس قد يقال: إنَّ هذه عبارة عن المشاهدة الحضوريَّة.
ولعلَّ أصحاب التفسير الأوَّل إنَّما ذهبوا إلى تفسيرهم: من رجوع الضمائر إلى جبرئيل، وحملوا الرؤية على رؤية جبرئيل؛ لأنَّهم حملوا الرؤية على رؤية العين الباصرة. وهذا في الله ـ سبحانه ـ مستحيل؛ إذ ليس جسماً، وليس مكانياً تعالى الله
(1) السورة 53، النجم، الآيات: 5 ـ 18.