المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

416

هذا الدواء، ألا ترى كيف اجتمع الصبر على شرب الدواء وتألّمه به مع حبّه لنفسه، فهو يعتبر صابراً على البلاء على الرغم من أنَّ ما فعله كان صالحاً لنفسه، وهو يحبّ نفسه أشدّ الحبّ وغارق في مشتهيات نفسه ومصالحها أشدّ الغرق، وقد فعل ما فعله لأجل نفسه ؟ ! فسواءٌ فُسِّر ذلك فلسفيّاً على أساس اختلاف مراتب النفس أو جوانبها وزواياها، أو فُسِّر ذلك على أساس كون ذات المؤلم هي المقدّمة للمحبوب التي يسري إليها الحبّ والالتذاذ بها، وأمّا الألم فهو لازم المحبوب ولا يسري إليه الحبّ والالتذاذ، أو فسّر بأيّ تفسير ثالث، فنفس التفسير يسري إلى محل الكلام.

نعم، في حالات الإنذهال في الله تعالى ربّما لا يحسّ العبد بالألم نتيجة فنائه في الله وذهوله عن كلِّ ما سواه، وذلك من قبيل ما يُروى بشأن إخراج السهم من رجل إمامنا أميرالمؤمنين(عليه السلام) في وقت انشغاله بالصلاة(1) وهذا أمر آخر، وهو أمر ممكن وواقع في المحبوب البشري كما حدّثنا القرآن(2) عن صويحبات يوسف وتقطيعهنّ أيديهنّ حين النظر إلى جمال يوسف الظاهري بالباصرة، فكيف لا يكون لدى النظر إلى الجمال الحقيقي بالبصيرة لمن هو حبيب قلوب الصادقين وإله العالمين وغاية آمال العارفين ؟ !

5 ـ حديث صحيح السند عن عبدالله بن سنان وإسحاق بن عمّار، عن الصادق(عليه السلام)قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله عزّوجلّ: إنّي جعلت الدنيا بين عبادي قرضاً، فمَنْ أقرضني منها قرضاً أعطيته بكلِّ واحدة عشراً إلى سبع مئة ضعف وما شئتُ من ذلك. ومَنْ لم يقرضني منها قرضاً فأخذت منه شيئاً قسراً فصبر أعطيته ثلاث خصال، لو أعطيت واحدة منهنّ ملائكتي لرضوا بها منّي. قال:


(1) المحجة البيضاء 1 / 398، وتفسير «نمونه» 2 / 428، وأنوار المواهب: 160.

(2) السورة 12، يوسف، الآية: 31.