المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

415

يكن من أُولي العزم: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾(1).

ويعجبني أن أذكر هنا رواية طريفة بشأن صبر يعقوب وآبائه:

فقد ورد في الأثر: «لمّا كان من أمر إخوة يوسف ما كان كتب يعقوب(عليه السلام) إلى يوسف(عليه السلام) وهو لا يعلم أنّه يوسف: بسم الله الرحمن الرحيم من يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله عزّوجلّ إلى عزيز آل فرعون سلام عليك. فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلاّ هو. أمّا بعد: فإنّا أهل بيت مولعة بنا أسباب البلاء: كان جدّي إبراهيم أُلقي في النار في طاعة ربّه، فجعلها الله ـ عزّوجلّ ـ عليه برداً وسلاماً، وأمر الله جدّي أن يذبح أبي(2) ففداه بما فداه به، وكان لي ابن وكان من أعزّ الناس عليّ ففقدته، فأذهب حزني عليه نور بصري، وكان له أخ من أُمّه، فكنت إذا ذكرت المفقود ضممت أخاه هذا إلى صدري، فأُذهب عنّي بعض وجدي، وهو المحبوس عندك في السرقة، وإنّي أُشهدك أ نّي لم أسرق ولم ألد سارقاً. فلما قرأ يوسف كتابه بكى، وكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم اصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا. فلمّا انتهى الكتاب إلى يعقوب قال: والله ما هذا بكلام الملوك والفراعنة، بل هو كلام الأنبياء وأولاد الأنبياء، فحينئذ قال: يا بنيّ اذهبوا فتحسّسوا من يوسف»(3).

وكما قلنا لا نريد بحث المسألة فلسفيّاً، لكن يمكن إبطال عدم إمكان اجتماع الصبر والحبّ بتجربة الإنسان العادي الغارق في حبّ نفسه حينما يشرب دواءً مرّاً، ويتحمّل ألم المرارة، ويصبر عليه في سبيل حبّه لنفسه ولشفائه المترتب على


(1) السورة 12، يوسف، الآية: 18.

(2) هذه من روايات تطبيق الذبيح على إسحاق دون اسماعيل على نبيّنا وآله وعليهما الصلاة والسلام.

(3) البحار 12 / 269 والآية في السورة 12، يوسف، الآية: 87 .