المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

414

الصبر من منازل العامّة دون الخاصّة؛ وذلك لأنّ الخاصّة وصلوا إلى مستوى المحبّة، والمحبّ يلتذّ بالعذاب الذي أراده محبوبه، فليس له ألم حتّى يصبر عليه، فيتناقض الصبر والمحبّة كما قيل:

أُريد وصاله ويريد هجري
فأترك ما أُريد لما يريد

وقيل:

وكلُّ لذيذة قد نلتُ منه
سوى ملذوذِ وجدي بالعذابِ

وأيضاً إنّ الصبر أمر منكر في طريق التوحيد، بل هو أنكر من كلِّ منكر؛ وذلك لأنّ فيه قوّة الدعوى؛ لأنّ الصابر يدّعي قوّة الثبات، فيلزم من هذا أنّه يعتقد أنّ لنفسه قوّة، وأنّ تلك القوّة عظيمة. وهذا مبالغة في البهتان؛ إذ ليس لأحد قوّة أصلاً؛ لأنّ القوّة لله جميعاً، وبذلك يشهد التوحيد، والتوحيد يقتضي فناء النفس، فيكون الصبر أنكر؛ لأنّ إثبات النفس في طريق التوحيد من أقبح المنكرات(1).

أقول: هذا الكلام ناتج من عدم الإيمان بالوجود التعلّقي، ومن الغفلة عن ذاتيّة الآلام المادّية للإنسان لدى المصائب من وجه، والتي لا تنافي الالتذاذ المعنوي بما أراده الله وبالقيام بالواجب من وجه آخر.

وليس هنا محلّ شرح ذلك فلسفيّاً، ولكنّي أقول هنا: إمّا أنّ القوم جريؤون جدّاً في تأويل القرآن، أو يعتقدون: أنّ أقطابهم أعلى مرتبة من أُولي العزم من الأنبياء الذين نسب الله ـ تعالى ـ إليهم الصبر في قوله: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ...﴾(2)، وكذلك قال يعقوب(عليه السلام) الذي هو نبيّ من أنبياء الله العظام وإن لم


(1) راجع منازل السائرين قسم الأخلاق باب الصبر وشرحه للكاشاني: 86، وشرحه الآخـر للتلمساني: ص 220.

(2) السورة 46، الأحقاف، الآية: 35.