المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

413

لا حصره بذلك. وكذلك ورد تفسيره بالصبر على ترك الحرام(1).

وعلى أيّة حال، فالذي يُفهم من هذه الرواية: أنّ الصبر على الطاعة أفضل من الصبر على المصيبة، وأنّ الصبر على ترك المعصية أفضل من الصبر على الطاعة. وهذا أمر واضح الصحّة؛ فإنّ الصبر على الطاعة صبر على تكاليف الله تعالى، فمن الطبيعي أن يكون أفضل من الصبر على المصائب المادية: من فقد مال أو ولد أو نحو ذلك. والمقصود بالصبر على الطاعة: الصبر على فعل الواجبات، في حين أنّ المقصود بالصبر على ترك المعصية: الصبر على مخالفة الشهوات النفسية وترك اللذائذ المحرّمة. ومن الطبيعي أنّ الثاني أصعب بكثير من الأوّل؛ ولهذا أصبح الصبر عن الثاني أفضل من الصبر على الأوّل. أمّا لو غضضنا النظر عن هذا التحديد فسيتّحد الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية؛ لأنّ ترك الطاعة معصية، وترك المعصية طاعة.

ولكن قال بعض: إنّ الصبر على الطاعة فوق الصبر عن المعصية؛ وذلك لأنّ الصابر عن المعصية مشتغل بقلبه في وساوسها، والمشتغل بالطاعة سالم من هذا الوسواس، فمقامه فوق مقام ذلك الآخر، خصوصاً إذا صبر على دوامها، وحافظ عليها من النقص، وفعلها في الأوقات المشروعة من غير تفويت(2).

أقول: بناءً على هذا البيان فالصبر على الطاعة ـ أيضاً ـ فيه اشتغال قلبه بوسوسة ترك الطاعة وراحته، وربّ إنسان يطيع الله في الواجبات في حين أنّه لا يتورّع عن مقارفة المحرمات، بينما المتورع عن مقارفة المحرمات والصابر عنها يكون ملتزماً عادة بالواجبات.

ومن الطريف ـ أيضاً ـ ما قاله بعض المنحرفين عن خط أهل البيت(عليهم السلام): من أنّ


(1) المصدر السابق.

(2) راجع شرح منازل السائرين للتلمساني قسم الأخلاق: 222.