المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

398

للأسباب التي خلقها الله أو التي جعلها الله أسباباً؛ لأنَّ تلك الاُمور لا اختيار لها. فالنباتات ـ مثلاً ـ التي لا حظّ لها من الاختيار، لا تختار لنفسها أسباب النموّ، وإنّما الله ـ تعالى ـ يدبّر لها أسباب النموّ بشكل طبيعي كما في الغابات، أو بإلهام البشر للتعهّد بذلك كما في النباتات الأهليّة من دون جعل اختيارها إيّاها حلقة من حلقات تدبير اُمورها، بل وكذلك الحال في الطفل الذي لم يعطه الله حولاً ولا طولاً للدفاع عن نفسه، فتراه تعالى يلهم أباه وأُمّه الدفاع عنه وتهيئة أسباب تنميته.

وثانيهما: تدبيره للوجودات التي خلق لها العقل والإرادة والقدرة والاختيار في الحدود التي زوّدها الله بهذه الأُمور، فتدبيره لها في تلك الحدود عبارة عن نفس تزويده إيّاها بهذه الأُمور وتهيئة الأسباب الطبيعيّة لها. فلو أنّ أحداً ترك أسباب بقاء الحياة من كسب أو أكل أو شرب أو ما إلى ذلك ثُمّ مات، لم يكن له القول بأنّ الله لم يدبّر أمري، أو أنّ التوكّل على الله لم يفدني بتقصير من الله. ولو أنّ أحداً استفاد من تلك الأسباب التي خلقها الله أو الآثار التي أودعها الله فيها، واستفاد ممّا زوّده الله به من عقل وعلم وقدرة ومشيئة وما إلى ذلك، لم يكن معنى ذلك الخروج عن تدبير الله والدخول في تدبير نفسه. ولو أنّ أحداً قال: إنّي متّكل على الله وعلى تدبيره لأُموري، فترك الاستفادة من طريقة تدبير الله تعالى لأُموره، وهي: تهيئة الأسباب له، وتزويده بقدرة الكسب والعمل والصنعة والتجارة، لم يكن هذا توكّلاً، بل هذا خبال وجنون؛ فإنّ من يتوكّل على الله ينهج المنهج الذي عيّنه الله له في حصول التدبير معتمداً على الله لا على ذلك المنهج، فإنّ إبقاءه متمكّناً من ذاك المنهج وعدمه بيد الله، وإيصال ذاك المنهج إلى الهدف المقصود وعدمه بيد الله. فمن باب المثل نقول: نحن نعلم: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو