المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

397

أعدل وأحكم من ذلك. قال: ثُمّ قال: قال الله: يابن آدم أنا أولى بحسناتك منك، وأنت أولى بسيّئاتك منّي. عملت المعاصي بقوّتي التي جعلتها فيك»(1).

انظر إلى هذه الرواية الطريفة كيف تشير إلى إفاضة القدرة من الله وانتساب الفعل إلى العبد، وتقول عن لسان الله تعالى: « يابن آدم أنا أولى بحسناتك منك »؛ لأنّ قدرتك عليها منّي. « وأنت أولى بسيّئاتك منّي »؛ لأنَّ قدرتك التي أخذتها منّي صرفتها فيما هو مبغوض لي بحسب عالم التشريع.

والخامسة: الرواية المرويّة عن جعفر الصادق(عليه السلام) أنّه قال لقدريّ: «اقرأ الفاتحة، فقرأ، فلمّا بلغ قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾(2). قال له جعفر(عليه السلام): على ماذا تستعين بالله وعندك أنّ الفعل منك، وجميع ما يتعلّق بالأقدار والتمكين والألطاف قد حصلت وتمّت ؟ ! فانقطع القدريّ»(3).

أمّا ما قاله صاحب منازل السائرين من: أنّ الدرجة الثانية للتوكّل تشتمل على ترك الأسباب طلباً للاجتهاد في التوكّل، فهذا كلام باطل؛ وذلك لأنّ الله تعالى وإن كان هو المدبّر للأُمور ﴿يُدَبِّرُ الاَْمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الاَْرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَة مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾(4) وهو ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْء خَلَقَهُ ...﴾(5).

إلاّ أنّ تدبيره على نمطين:

أحدهما: تدبيره لما لا يعقل ولا يدرك ولا يريد ولا يختار كما في الجمادات والنباتات، فهو يدبّر أمرها أفضل تدبير من دون توسّط اختيار تلك الأُمور


(1) المصدر السابق: ص 157 الحديث 3.

(2) السورة 1، الحمد، الآية: 5.

(3) مرآة العقول: 2 / 179.

(4) السورة 32، السجدة، الآية: 5.

(5) السورة 32، السجدة، الآية: 7.