المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

396

فقال أميرالمؤمنين(عليه السلام): أجل يا شيخ، ما علوتم تلعة، ولا هبطتم بطن واد إلاّ بقضاء من الله وقدر.

فقال له الشيخ: عند الله أحتسب عنائي يا أميرالمؤمنين ؟

فقال له: مَهْ يا شيخ ! فوالله لقد عظَّم الله الأجر في مسيركم وأنتم سائرون، وفي مقامكم وأنتم مقيمون، وفي منصرفكم وأنتم منصرفون، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليه مضطرين.

فقال له الشيخ: وكيف لم نكن في شيء من حالاتنا مكرهين ولا إليه مضطرين، وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ومنقلبنا ومنصرفنا ؟ !

فقال له: وتظنّ أنّه كان قضاءً حتماً وقدراً لازماً ؟ إنّه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب، والأمر والنهي والزجر من الله، وسقط معنى الوعد والوعيد، فلم تكن لائمة للمذنب، ولا محمدة للمحسن، ولكان المذنب أولى بالإحسان من المحسن، ولكان المحسن أولى بالعقوبة من المذنب. تلك مقالة إخوان عبدة الأوثان، وخصماء الرحمان، وحزب الشيطان، وقدرية هذه الأُمّة ومجوسها.

إن الله ـ تبارك وتعالى ـ كلّف تخييراً، ونهى تحذيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يُعصَ مغلوباً، ولم يطع مكرهاً، ولم يملّك مفوّضاً، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً، ولم يبعث النبيين مبشرين ومنذرين عبثاً. ذلك ظنّ الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار. فأنشأ الشيخ يقول:

أنت الإمام الذي نرجو بطاعته
يومَ النجاةِ من الرحمنِ غفرانا
أوضحتَ من أمرنا ما كانَ ملتبساً
جزاك ربُّك بالإحسان إحسانا»(1)

والرابعة: حديث الوشّا عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام) قال: «سألته، فقلت: الله فوّض الأمر إلى العباد ؟ قال: الله أعزّ من ذلك. قلت: فجبرهم على المعاصي ؟ قال: الله


(1) المصدر السابق: ص 155 ـ 156، الحديث 1.