المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

394

ما يريده الله، لكنّه يبقى تمنّي أن يكون ما يريده الله مطابقاً لمصلحته ـ كما هو الواقع ـ وفي ذلك يتوكّل على الله.

والثالث: بيان أنّ العبد لا يملك اختياراً؛ لأنّ أفعاله وتروكه تُنسب إلى الله مباشرة، أو أنّه مجبور في الاختيار، فهو على أيِّ حال لا يستطيع أن يفعل شيئاً من تلقاء نفسه حتّى يتوكّل في ذلك على الله، وإنّما الفاعل المطلق هو الله، وهو مفاد التوحيد في الفعل.

فإن كان هذا هو المقصود قلنا: إنّ أساس هذا التوهّم هو: الغفلة عمّا أسماه أ ئمّتنا سلام الله عليهم بأمر بين الأمرين، والغافلون عن ذلك يكونون بين قائِل بالجبر ومنكر للاختيار وبين قائل بالجبر على الاختيار، وهو في روحه عين الجبر، ولا يصحّ معه ثواب ولا عقاب. أمّا على مسلك الشيعة ـ أعزّهم الله ـ التابعين لأئمّتهم القائلين بالاختيار الذي هو أمر بين الأمرين، فقد بقي للعبد شيء، وهو: الاختيار وإن كان ما في هذا الشيء من السلطة والقدرة مفوّضاً إليه من الله آناً فآناً، وهو أحد معاني الأمر بين الأمرين، وإذا بقي له الاختيار بقي المجال الواسع للتوكّل والتوكيل. وشرح ذلك من زاوية التحليل العقلي يُطلب من حديثنا في باب الطلب والإرادة في علم الاُصول، ولكنَّني أذكر هنا عدداً من الروايات المرويّة عن أئمّة أهل البيت(عليهم السلام):

الاُولى: صحيحة يونس بن عبدالرحمن عن غير واحد، عن أبي جعفر وأبي عبدالله(عليهما السلام) قالا: «إنّ الله أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب ثُمّ يعذّبهم عليها. والله أعزّ من أن يريد أمراً فلا يكون. قال: فسئلا(عليهما السلام) هل بين الجبر والقدر منزلة ثالثة ؟ قالا: نعم، أوسع ممّا بين السماء والأرض»(1).


(1) الكافي 1 / 159 كتاب التوحيد، باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين، الحديث 9. والمقصود بالقدر في هذا الحديث هو: التفويض لا الجبر، فإنّ القدرية استعملت تارة في المجبّرة واُخرى في المفوّضة. راجع مرآة العقول 2 / 178 و 192.