المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

393

تجارة، ومهنة محترمة، قد يجعل النفس طالبة للتشرف بذلك، والتعزّز به، ولحفظ ماء الوجه، في حين أنّ تركه لهذه الأسباب يؤدّي إلى قمع تشرّف النفس وكسرها من ناحية، وإلى التفرّغ لحفظ واجبات الطريقة من ناحية اُخرى.

والدرجة الثالثة: هي التشبّه بالمتوكّلين، وليس صاحبها متوكّلاً في الحقيقة ؛ وذلك لمعرفته لعلل التوكّل المؤدّية إلى خلاصه من تلك العلّة؛ وذلك لأنَّه علم أنَّ الملك خالص لله لا يشاركه أحد، وليس بيده شيء كي يكله إلى الله تعالى. فهذا صاحب مقام فوق التوكّل، ولكنّه يشبه المتوكّل في قطع النظر عن الأسباب فقط(1). انتهى ملخصاً.

أقول: إنّ توهّم أنّ الالتفات إلى أنَّنا لانملك شيئاً، وأنّ الملك كلَّه لله لا يبقي مجالاً للتوكّل يجب أن ينشأ من أحد أُمور، وكلُّها باطل:

الأوّل: بيان أنّه لئن كان كلُّ شيء ملكاً لله فما معنى توكيله في أمر ما ؟ ! فإنّ الموكّل إنّما يتّخذ الوكيل فيما يملكه هو لا فيما يملكه موكّله.

والجواب: أنّ هذا إنّما يبطل التوكّل بمعنى التوكيل الذي اعتبر في الفقه عقداً من العقود، أمّا إذا قُصِدَ به مجرّد الاعتماد عليه فلا يأتي فيه هذا البيان. ويمكن أن يُسمَّى ذلك بالتوكيل الفقهي، ولكن مجازاً باعتبار الملكية المجازية التي فرضها الله لنا في الأُمور.

والثاني: بيان أنّ العبد لا معنى لإرادته لما في صالحه حتّى يتوكّل في تحقيق ذلك على الله، بل المفروض بالعبد أن لا يريد إلاّ ما أراده الله.

والجواب: أنّ أصل حبِّ الذات وحبِّ المصلحة أمر ذاتيّ للإنسان، وفرضُ انفكاكه عنه خيالٌ طوبائي كما مرّت الإشارة إليه، نعم، له أن يفدي بذلك في سبيل


(1) راجع منازل السائرين باب التوكّل من قسم المعاملات وشرحه للكاشاني: 75 ـ 77 وشرحه الآخر للتلمساني: 197 ـ 201.