المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

392

المؤثّر الحقيقي الواحد الأحد، فمن الصعب عليهم أن يوكّلوا الله سبحانه في أُمورهم ويعتمدوا عليه، لا على أنفسهم، ولا على ما يحسّون به من الأسباب. وأمّا كونه أوهى السبل لدى الخاصّة فلعلمهم بأنّ الحقَّ ـ تعالى ـ قد وكلّ الاُمور كلَّها إلى نفسه، وأيأس العالم من ملك شيء منها. وأشرف الناس وأكملهم وهو الرسول (صلى الله عليه وآله)، مُخاطَب بقوله: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ ...﴾ فكيف بأدونهم وأضعفهم، فإذا لم تكن أُمورهم بأيديهم وكان الملك بأسره له، فأيّ شيء يكلونه إلى الله ويسلّمونه إليه ؟ ! وفي أيّ شيء يجعلونه وكيلاً لهم؟! فكان التوكّل أضعف السبل عندهم.

ثُمّ قال: التوكّل على ثلاث درجات كلّها تسير مسير العامّة:

الدرجة الاُولى: التوكّل مع الطلب والسعي من وراء الأسباب، فبرغم أنّ التوكّل يقتضي بذاته عدم الاهتمام بالأسباب، ولكنّه يريد أن يلهي نفسه بالأسباب وما لديه من صنعة، أو تجارة، أو عمل؛ كي يقع في طريق نفع الناس، ولينشغل بما هو خير، خشية أن لو بقي فارغاً قد تَطلُب نفسه طرق الهوى، على أنّه لو اكتفى بالتوكّل وكفاه الله اُموره من دون سعي وراء الأسباب، قد يحسن ظنّ الناس به، فيحصل عنده العجب والدعوى، ففي معاطاته للأسباب وتشبّهه بالعوام، الخلاص من هذه الأمراض.

والدرجة الثانية: التوكّل مع ترك الطلب وغضّ العين عن السبب: من صنعة، أو تجارة، أو ما إلى ذلك من الاُمور؛ وذلك اجتهاداً منه في تصحيح التوكّل؛ لأنّ من يسعى من وراء الأسباب قد يكون غير واصل إلى مرتبة التوكّل، ولكنّه يتخيل الوصول إليها، أمّا إذا انقطع عن السبب وابتلى بالفقر والعدم، فقد يتّضح له عدم تمامية مقام التوكّل عنده خصوصاً لدى شدّة الجوع، فعليه أن يصحّح توكّله بانقطاعه عن الأسباب، هذا إضافة إلى أنّ تعلّقه بالأسباب الشريفة عند الناس: من