المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

38

وسطه الاعتدال الحقيقيُّ، وطرفاه طرفا الإفراط والتفريط، إلاّ أنَّه ما لم يخرج عن هذين الطرفين يكون اعتدالاً إضافيّاً، وكُلَّما كان أقرب إلى الحقيقيِّ كان أكمل وأقوى، وإذا خرج عنهما دخل في الرذيلة(1).

ولم نعرف من هذا الكلام ماهو الميزان في حدود الوسط الإضافيّ إلاَّ أن يكون المقصود: أنَّ الميزان هو قدرة الشخص، أي: أنّه إذا عجز عن الوصول إلى الوسط الحقيقيِّ فالفضيلة بالنسبة لكلِّ شخص هي أقرب النقاط إلى الوسط الحقيقي ممّا يمكنه الوصول إليه.

ثُمَّ لو كان مقصودهم ـ حقّاً ـ جعل الوسط مِقياساً يرجع إليه لتشخيص الفضيلة والرذيلة، وتمييز إحداهما عن الأُخرى، فهذا أمر غير ممكن؛ إذ لا يمكن تعيين الوسط بمثل الشبر والذراع قبل معرفة الفضيلة، بل يجب أن نعرف الفضيلة أوَّلاً، وعن طريق معرفتنا لها نعرف أنَّ طرفيها إفراط وتفريط، وأنَّها هي الوسط، فهذا ليس مِقياساً بمعنى كونه مميِّزاً للفضيلة والرذيلة.

على أنّه لا برهان ولا وجدان يحكم على أنَّ الفضيلة في كلِّ شيء وبالقياس إلى كلِّ صفة إنَّما هي الوسط.

وقد قال أحمد أمين في كتاب الأخلاق(2): إنَّ هناك كثيراً من الفضائل لا يظهر فيها أنَّها أوساط بين رذائل كالصدق والعَدل، فليس هناك إلاّ كذب أو صدق، وعدل أو ظلم. وقول ابن مسكويه: إنَّ العَدل وسط بين الظلم والانظلام لعب بالألفاظ دعاه إليه تصحيح كلام أرسطو، فليس الانظلام إلاَّ أثر الظلم.

أقول: إنَّ الاعتراض عليهم بالنقض بمثل الصدق والكذب، أو الإرشاد والتضليل باعتبار أنّه لا تُتصوَّر في طرفي الفضيلة رذيلتان تعتبر الفضيلة وسطاً


(1) مأخوذ من جامع السعادات 1/78 و 79.

(2) كتاب الأخلاق: 197.