المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

376

لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَ إِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَ إِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ * أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلاَّ مَوْتَتَنَا الاُْولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ * أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ ...﴾(1).

وفي تفسير هذه الآيات اتّجاهان(2) بيانهما ـ بتكميل أو تنقيح منّي ـ ما يلي:

1 ـ أن يكون قوله تعالى: ﴿وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ خطاباً للذين ذكروا فيما قبل هذه الآية من أصحاب جهنّم، فقوله: ﴿إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ استثناء منقطع يشمل جميع أهل الجنّة، وعندئذ يناسب أن يكون المقصود بالرزق المعلوم في قوله: ﴿أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ﴾: إجمالاً عن التفصيل الذي جاء بعد ذلك في قوله: ﴿فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ ...﴾ إلى آخر الآيات التي تبيّن نعماً مادّيّةً مزيّنةً بنعم معنويّة مفهومة لعامّة الناس وذلك من قبيل كونهم مكرمين أو غير ذلك. فإذن كأنّ الملحوظ في ذلك أدنى درجات الجنّة؛ لأنّه الذي يتصوّر ثبوته لتمام أهل الجنّة.

2 ـ أن يكون قوله تعالى: ﴿وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ خطاباً لتمام الناس من المؤمنين والمجرمين، فقوله: ﴿إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ استثناء متّصل. وقد رجّحنا فيما سبق أن يقصد بالمخلَصين (بالفتح): الذين هم في نهايات مستويات الإيمان، وهم الذين أخلصوا أنفسهم لله، أو أخلصهم الله ـ تعالى ـ لنفسه من كلّ شائبة أو درَن. فكأنّ الآية تقول ـ والله العالم ـ: إنّ النعم المادّيّة والمزيّنة بنعم معنوية قابلة للتصوّر ولو مختصراً لعامّة الناس إنّما تعتبر جزاءً للأعمال الحسنة أو تجسّماً لها، وكذلك العذاب يعتبر جزاءً للأعمال السيّئة أو تجسّماً لها (على


(1) السورة 37، الصافات، الآيات: 39 ـ 62.

(2) راجع تفسير «نمونه» 19 / 51 مع ما قبله وما بعده.