المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

367

نفسه شيئاً.

والثانية: أن يكون معظّماً لرضا الله سبحانه وتعالى ومتهيّباً من سخطه، فالمهمّ عنده ليس الثواب والعقاب المادّيين، بل رضا الله سبحانه وسخطه. ومنطق أصحاب هذا المقام هو: انّنا لو عملنا لأجل الثواب ففي الحقيقة قد عملنا لأنفسنا لا لله سبحانه وتعالى؛ لأنّنا لم نعمل إلاّ بروح التجارة والأُجرة، ولو عملنا خوفاً من العقاب فقد عملنا ـ أيضاً ـ لأنفسنا، فالعمل حقّاً لله لا يكون إلاّ بالعمل لمرضاته بغضّ النظر عن الطمع في الثواب أو الخوف من العقاب. وعليه، فتعظيم شعائر الله، أو تقدير الله حقَّ قدره، أو تعظيم حدوده لا يكون إلاّ بطلب رضاه والتجنّب عن سخطه بما هو رضاه وسخطه، لا بما هو مقدّمة للثواب والعقاب.

ومطلوبية رضا الله مستقلاًّ لا تعني سلب مطلوبية الجنّة، أو نفي الخوف من العقاب (حتّى يقال: إنّ حبّ اللذائذ النفسانية أو بغض الآلام النفسية من لوازم ذات الإنسان، ولا ينفكّ عن الإنسان ما لم يبدّل إلى مخلوق آخر) وإنّما تعني: أنّه حتّى لولا الثواب والعقاب لكان يكفي في التزام هذا العبد الخالص في العبودية كون المولى سبحانه وتعالى أهلاً للعبودية، أو قلْ: حبّه لله تعالى.

وممّا روي عن مولانا أميرالمؤمنين(عليه السلام) قوله: «إنّ قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التّجار، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبةً فتلك عبادة العبيد، وإنّ قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار»(1).

وكذلك روي عنه أنّه(عليه السلام)قال: «ما عبدتك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنتك، لكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك...»(2).

وحكي عن الأصمعي: أنّه رأى ببعض السواحل جماعة من الفقراء يبكون،


(1) نهج البلاغة: 702، رقم الحكمة: 237.

(2) البحار 70 / 186.