المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

362

شيئاً طلبه، ومن خاف من شيء هرب منه»(1).

فالعبد إذا بثّ بذر الإيمان، وسقاه بماء الطاعات، ورجى الربّ تعالى، كان هذا رجاءً حقيقياً محموداً. وكذلك لو كان منهمكاً في المعاصي، ثُمّ أقبل على التوبة راجياً قبولها من الربّ، كان ذلك رجاءً حقيقياً محموداً. أمّا من ينهمك في المعاصي بحجة الرجاء فهو مشمول لقوله تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا ...﴾(2).

وإن شئت مثلاً عرفياً لما قلناه مثّلنا لك بمن يملك تربة صالحة للزرع ولاستثمارها في شتّى الأثمار والغلاّت والورود والنّعم، فزرع فيها، وسقاها، وحافظ على نظافتها، وعلى إيصال نورالشمس إليها وما إلى ذلك، وقال: إنّني أرجو هذه التربة الصالحة أن تنفعني كذا وكذا من النّعم الإلهيّة، فأنت ترى أنّ هذا رجاء معقول ومقبول. أمّا لو ضيّع التربة، وسيّبها، ولم يعتن بها، وذلك بترك الزرع، أو بترك السقي، أو بسائر أنحاء التسييب والإضاعة ثمّ قال: أنا أرجو من هذه التربة الصالحة أن تنفعني، لرأيت أن هذا ليس رجاءً، بل هو سفهٌ وخبال. والآية المباركة التي بدأنا بها الحديث يبدو أنّها ظاهرة في نفس المعنى، وأنّ قوله: ﴿... لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾ لا يقصد الوعد بالغفران، بلا سبب صالح من قبل العبد، بل يقصد الغفران بسبب التوبة (ولذا لم يستثن حتّى الشرك). والشاهد على أنّ المقصود هو الغفران بالتوبة: الآيات اللاحقة لها، وهي قوله: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾(3).


(1) الوسائل 15 / 16، الباب 13 من جهاد النفس، الحديث 2. وقد مضى هذا الحديث في فصل الخوف.

(2) السورة 7، الأعراف، الآية: 169.

(3) السورة 39، الزمر، الآية: 54.