المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

358

والثانية: أن يكون هدفه لقاء الله ورضوانه، لا الدنيا ولا الجنّة، فمن كان يريد من الله الدنيا فهو منقطع إلى الدنيا لا إلى الله، ومن كان يريد من الله الجنّة بمعناها المادِّي فحسب، فهو منقطع إلى الجنّة لا إلى الله. وقد اشتهر عن الحسين (عليه السلام) أنَّه كان يقول في آخر لحظة:

تركت الخلقَ طرّاً في هواكا
وأيتمتُ العيالَ لكي أراكا
فلو قطّعتني في الحبّ إرباً
لما مالَ الفؤادُ إلى سواكا

والثالثة: أن ينسى كلّ شيء من نفسه وما عداه، إلاّ الله تعالى، ويذوب فيه ويفنى، ويراه وحده ولا يرى الجمع. وطبعاً هذا يكون في حالات خاصّة كحالة العبادة كما أشارت إليه الآية الشريفة ضمن تهجّد الليل، بقوله: ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً﴾(1)، وإلاّ فليس المفروض بالسالك الواصل إلى الله أن يغفل دائماً عن الجمع، بل المفروض سهولة بقائه بالله في الجمع، وإن كان يرى الجمع ـ أيضاً ـ تجلِّياً من تجلّيات الله سبحانه وتعالى. وأقوى مقامات العارفين في التبتّل والانقطاع بهذا المعنى الثالث هو: أن يصبح قادراً على الرجوع إلى عالم التبتّل في أيّ لحظة أراد، وعارفاً طريقة الرجوع إلى الجمع ـ أيضاً ـ في أيّة لحظة، أو قل: أن يكون باقياً بالله في الجمع وجامعاً بين عالمي التوحيد والجمع. أمّا ذاك الاضمحلال الذي يعني: الغفلة الفعليّة عن الجمع، فليس دائميّاً، ولكنّه يكون باختياره في أيّة ساعة، فإن كنّا عاجزين عن ذلك فلابدّ لنا ـ في الأقلّ ـ من تحصيل هكذا حالة في ساعات العبادة أو في بعضها ـ في أقلّ تقدير ـ كساعة التهجّد في جوف الليل.


(1) السورة 73، المزّمل، الآية: 8 .