المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

357

من رحمتي، ويا بؤساً لمن عصاني، ولم يراقبني»(1).

وطبعاً ليس تطرّق الأسباب الظاهرية ملوماً عندالشرع، بل مأمور به، ولكن فرق بين تطرّقها اعتماداً عليها، وتطرّقها اعتماداً وتوكّلاً على بارئها، وشتّان ما بين الروحيتين. وفي كثير من الناس قد يدور الأمر بين حالتين، كلتاهما خاطئتان: إمّا إهمال الأسباب الظاهريّة والجلوس في البيت مثلاً من دون سعي من وراء كسب الرزق بحجة أنّ الله هو الرزّاق ذو القوة المتين، ولا سعي من وراء مداواة المرض؛ لأنَّ الله ـ تعالى ـ هو الشافي، وما إلى ذلك؛ وإمّا الاعتماد والاتكاء القلبي على الأسباب الظاهريّة غفلة عن أنّ مسبّب الأسباب هو الله تعالى. وكلتا الحالتين غير صحيحة. والصحيح هو: السعي وراء الأسباب الظاهرية مع حصر التوكّل والاعتماد في مسبّب الأسباب وهو الله تعالى. وتحصيل مقام كهذا من أصعب الأُمور.

نعم، لعلَّه يتّفق لأولياء الله الكمّل أحياناً التعفّف عن السعي وراء الأسباب الظاهريّة، بل حتّى عن الدعاء لله اكتفاءً بعلم الله ـ سبحانه ـ ورضاً بقدره، إلاّ أنّ أمثال هذه الأُمور إن كانت فإنّما هي حالات، وليست اُموراً ثابتة وقارَّة. وممَّا ينقل من مثل هذه الحالات ما عن سيّدنا إبراهيم على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام: من أنَّه لمَّا رُمي به إلى النار تلقَّاه جبرئيل في الهواء، فقال: «... هل لك من حاجة ؟ فقال: أمّا إليك فلا، حسبي الله ونعم الوكيل. فاستقبله ميكائيل فقال: إن أردتَ أخمدتُ النار فإنَّ خزائن الأمطار والمياه بيدي، فقال: لا أُريد. وأتاه ملك الريح فقال: لو شئتَ طيّرتُ النار، قال: لا أُريد. فقال جبرئيل فاسأل الله ! فقال: حسبي من سؤالي علمه بحالي»(2).


(1) اُصول الكافي 2 / 66، كتاب الإيمان والكفر، باب التفويض إلى الله والتوكل عليه، الحديث 7.

(2) البحار 71 / 156. ويمكن توجيه الرواية بأن جبرئيل وميكائيل وملك الريح لم يكونوا من الأسباب الظاهرية المادّية التي اُمرنا في هذه الدنيا المادّية بالاستعانة بها في ظاهر الحال في دائرة نظم الطبيعة بل هم جميعاً من الأسباب خارج الطبيعة فلم لا يكتفي إبراهيم(عليه السلام)بالله من دون توسيطها؟!