المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

355

 

 

 

 

الفصل الرابع عشر

التبتل والانقطاع إلى الله تعالى

 

قال عزّ وجلّ: ﴿ بِسْمِ الله الرَحْمن الرَحِيم يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ الَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً * إِنَّ نَاشِئَةَ الَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً * إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً﴾(1).

وقد فُسِّر التبتّل بمعنى: الانقطاع. وللانقطاع إليه سبحانه وتعالى عدّة معاني، أو عدّة مراتب ودرجات:

الاُولى: الانقطاع إليه في الخوف والأمل والرجاء، فلا يخاف إلاّ الله، ولا يأمّل إلاّ إيّاه، ولا يرجو أحداً غيره.

ويدلّ على ضرورة ذلك العقل قبل النقل؛ ذلك لعلمنا بأنَّه لا مؤثّر في الوجود إلاّ الله، وأنّ العالم أجمع جلوة من جلواته، وأنّ ما نراه من الأسباب والمسبَّبات والعلل والمعلولات إن هي إلاّ تحت قبضة الله وإرادته، فلو رأينا شجرة نبتت بالإعجاز دفعة واحدة في قفر يابس، ورأينا ـ أيضاً ـ في جانب آخر بستاناً مليئاً بالأشجار والفواكه والأوراد والغلاّت على أثر الغرس والزرع والسقي قد نتعجب من الأوّل، ولا نتعجب من الثاني، ولكن إذا تأمّلنا لرأينا أنّ نسبة الخالق تعالى إليهما على حدٍّ سواء، ودلالة كلِّ شجر أو نبت على وجود الله الواحد الأحد كدلالة


(1) السورة 73، المزّمّل، الآيات: 1 ـ 8 .