المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

34

وصحيحاً، بل العواطف والشهوات والميولات النفسيّة كلُّها ممَّا يُصدِر الحكم في نفس الإنسان، بمعنى تأثيره في تحديد إرادة الإنسان وشوقه. وما أكثر مَنْ يعرف الحقَّ أو الخير أو الصلاح ويخالفه، ومن يعلم الشرَّ أو المفسدة ويرتكبه.

على أنَّه لو كان مقصود صاحب هذا الكلام جعل مِقياس وضابط يرجع إليه في مقام تمييز الفضيلة عن الرذيلة، قلنا: لا يمكن جعل الضابط عبارة عن العلم ـ حتّى لو آمنَّا بالجانبين السلبي والإيجابي ـ بل الضابط بهذا المعنى يجب أن يكون شيئاً آخر؛ لأنَّ الضابط المميِّز هو الذي يُورِث العلم بالخيريّة أو الشرِّيّة، فلا يمكن أن يكون هو نفس العلم.

الكلمة الثانية: ما اشتهر بينهم: من أنَّ أُصول الفضائل أربعة: الحكمة، والعفَّة، والشَّجاعة، والعَدل، وبياناتهم في حصر أُصول الفضائل مختلفة:

فمنها: ما نُقِلَ عن أفلاطون تلميذ سقراط: من أنَّ في الإنسان قوى ثلاث:

العاقلة، وهذه إذا اعتدلت نشأت عنها فضيلة الحكمة.

والقوّة الغضبيّة، وهذه إذا اعتدلت نشأت عنها الشَّجاعة.

والقوّة الشهويّة أو البهيميّة، وهذه إذا اعتدلت نشأت عنها العفَّة. وهذه الفضائل الثلاث باعتدالها ينشأ عنها العَدل، فالعَدل تتَّصف به النفس عند أداء هذه القوى الثلاث وظائفها باعتدال وعندما تكون متساندة بحيث تتعاون كلُّ قوَّة مع الأُخرى(1).

ومنها: أنَّ النفس ذات قوى أربع: العاقلة، والعاملة، والشهويّة والغضبيَّة. وتنشأ الفضيلة من إطاعة القوى الثلاث الأخيرة للأُولى، فبإطاعة القوّة العاملة للعاقلة واعتدالها تحصل الحكمة، وبإطاعة القوّة الشهويّة لها واعتدالها تحصل العفَّة، وبإطاعة القوّة الغضبيّة لها واعتدالها تحصل الشَّجاعة. ثُمَّ تحصل من حصول هذه


(1) منقول عن كتاب الأخلاق: 196.