المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

31

يختار الصدق إن لم توجد له أدنى فائدة في الكذب. وهذا شاهد على أنَّه يُدرِك حسن الصدق وقبح الكذب، فهذا إدراك ناشئ من حاقِّ النفس؛ لعدم وجود مؤثِّرات خارجيّة حسب الفرض.

وبكلمة أُخرى: إنَّ الإنسان الذي ينمو ويترعرع بعيداً عن كلِّ المؤثِّرات الخارجيّة ـ حسب الفرض ـ لو سألناه عن شيء وقرَّر أن يجيب عن سؤالنا فهو بطبعه الأوَّلي يجنح إلى الصدق لا الكذب. فهذا ليس على أساس المؤثِّرات الخارجيّة، ولا على أساس حبِّ الذات؛ إذ هو لا يعلم أنَّ الصدق نافع والكذب ضار حتّى يدفعه حبُّ الذات إلى ذلك.

 

والجواب:

أوَّلاً: أنَّ هذا الميل إلى الصدق قد يكون بنفسه طبعاً وغريزة، أو أنَّ أوَّل وأشدَّ ما يجلب ذهن المخبر إلى نفسه هو الواقع الذي علمه، لا خلافه، ولا يكون هذا راجعاً إلى باب الإدراك أصلاً؛ ولذا نرى أنَّ حالة الصدق موجودة لدى الأطفال الصغار الذين لم يبلغوا بعدُ مبلغاً يُدرِكون قبح الكذب أو حسن الصدق.

وثانياً: لو غضضنا النظر عن الميل الطبيعيِّ والغريزيِّ إلى الصدق، أو كون الواقع المعلوم أكثر جلباً للنظر من خلافه مثلاً، فمن أين لنا العلم بأنَّ هذا الشخص الذي فرضنا أنّه عاش منفرداً وترعرع منفرداً يجنح إلى الصدق لا الكذب؟! فإنَّ هذه الفرضيّة لم نجرِّبها خارجاً، ولو عَلِمنا بذلك عن طريق إيماننا بحسن الصدق وقبح الكذب، أو عن طريق إيماننا بغريزيّة الصدق مثلاً فأَيُّ فائدة تترتَّب على افتراض هذه الفرضيَّة؟!

والواقع: أنَّ حقَّانيّة الإدراك العمليِّ لا يمكن أن تثبت ببرهان، ولا أن تُرَدُّ ببرهان، وإنَّما الأمر الممكن هو تنبيه الوجدان بذكر بعض الأمثلة الواضحة، من