المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

30

أو ملاحظة المصالح والمفاسد المختلف فيها؛ ولذا ترى اختلاف مجتمع عن مجتمع في كون الحجاب والعفَّة فضيلة، والسفور وترك الحياء رذيلة، أو العكس. وهذا لا يضرُّ بالاعتراف بواقعيّة الحسن والقبح في قضايا أُخرى يؤمن بها الجميع أو الغالبية الساحقة من غير منْ حصلت له الشبهة، من قبيل: حسن الصدق والوفاء والإيثار، وقبح الكذب والغدر والإيذاء، وما شابه ذلك.

فقد اتَّضح بهذا العرض: أنَّ كثيراً من القضايا الخُلُقيّة قد نتج إدراكها من حاقِّ النفس؛ لتطابق غالبيّة الناس عليها البعيدين عن شبهة تغطِّي الفهم الأوَّليَّ، ولا قاسم مشترك فيما بينهم ممَّا يمكن أن يكون منشأً للفهم والإدراك عدا النفس البشريّة، فنستكشف أنَّ علَّة هذا الفهم المشترك بينهم هي: حاقُّ النفس التي هي القاسمة المشتركة بينهم.

إلاَّ أنَّ هذا الدليل لواقعيّة الحسن والقبح قابل للمناقشة؛ وذلك بالمناقشة في المُقدّمة الثانية، وهي: انحصار العامل المشترك بين غالبيّة الناس في النفس البشريّة، فإنَّهم مشتركون ـ أيضاً ـ في غريزة جلب المصالح ودفع المفاسد، فلعلَّ ذلك جرَّهم بشكل وآخر إلى أن يجنحوا إلى القول بحسن جملة من الأشياء وقبح جملة منها، ممَّا يشتمل على مصالح نوعيَّة أو مفاسد نوعيّة، وأيضاً نقول: إنَّ النماذج التي عاشرناها من المجتمعات البشريّة مشتركون في أصل خضوعهم لقوانين وحكومات وانتظامات، فلعلَّ هذا أوحى إليهم بالحسن والقبح.

وكأنَّه لعلاج هذا الإشكال قد يُطوَّر من صياغة الاستدلال وتُغيَّر إلى الصيغة التالية، وهي ما يلي:

لو أنَّ أحداً خُلِقَ منفرداً في مكان، وعاش وحده من دون أن يشاهد أيَّ مجتمع، أو يُؤثِّر فيه أيُّ تعليم ونحوه، ثُمَّ قال له أحد مثلاً: أنا أُعطيك طعاماً شهيَّاً في كلِّ يوم على أن تتكلَّم بخبر سواءٌ كان صدقاً أو كذباً، فذلك الشخص سوف