المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

29

نشوئها من حاقِّ النفس:

الأوّل: الاختلاف الصغرويُّ الذي قد يقع في التطبيق لا في أصل الفكرة، فلا يضرُّ ببداهة الفكرة وضروريّتها، مثال ذلك: أنَّ مجتمعاً ما وفي زمان ما يطبّق حسن إحسان فرد على فرد بالتصدُّق عليه، ويعتبر هذا فضيلة وعملاً ممدوحاً، في حين أنّ مجتمعاً آخر أو نفس المجتمع في زمن آخر يعتقد أنّ هذا الأُسلوب من العطاء والإحسان لا يُميَّز فيه بين المستحقّ وغيره ويُميت الهمم، ويميت ما في النفوس من شرف وإباء واستعداد للعمل، فالصحيح هو: إنشاء جمعيّات للإحسان تجتمع عندها عطاءات الناس، وهي التي تتولَّى الإنفاق على المعوزين بعد أن تدرس أحوالهم، وتحاول إيجاد عمل لمن لا عمل له.

وهذا كما ترى ليس خلافاً في كبرى حسن إعانة العاجز وفضيلة الإحسان إلى الناس، وإنّما الكلام في تشخيص الطريقة التي تكون أوصل إلى المطلوب.

والثاني: إنكار واقعيّة الحسن والقبح أو التشكيك فيها؛ لشبهة حصلت للمنكر أو المشكِّك، من قبيل البرهان الذي مضى ذكره عن المحقّق الإصفهاني(رحمه الله)؛ لنفي كون إدراك ذلك من سنخ إدراك الضروريّات. وقد مضى الجواب عن ذلك، فترى أنَّ الإنكار أو التشكيك ـ على أساس تخيُّل ذلك البرهان ـ إنكارٌ أو تشكيك عن شبهة غطَّت الفهم الناشئ من حاقِّ النفس، وحالت دون الوصول إلى إدراك الحسن والقبح، ولا يكون ذلك شاهداً لعدم ضروريّة هذا الإدراك أو عدم نشوئها من حاقِّ النفس.

والثالث: بعض القضايا الخُلُقيّة الناشئة من المؤثِّرات الخارجيّة، فإنَّنا حينما نقول بواقعيّة الحسن والقبح وضروريتهما ونشوء إدراكهما من حاقِّ النفس لا ندَّعي أنَّ جميع الأخلاقيَّات من هذا القبيل، فربَّما يكون الإيمان بحسن الحجاب أو السفور أو قبحه للنساء ناشئاً من المؤثِّر الخارجيِّ: من دين، أو عادة،