المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

24

وإِن كانت بمعنى مِقياسيّة المصلحة أو اللذّة النوعيتين، فتوفير مصلحة الناس يمكن أن يجعل مصداقاً من مصاديق الفضيلة الثابت حسنها بمِقياس آخر، وليس هذا العنوان هو المِقياس الأوّلي للحسن والقبح وإلاّ لورد عليه النقض أيضاً، وإن شئت فاجعل هذا تصديقاً في الجملة بمِقياسيّة المصلحة والمفسدة بالمعنى الصغرويّ دون الكبرويِّ.

 

المِقياس الخامس ـ العواطف:

ومعنى مِقياسيّة العواطف: أنَّ ما نحسُّ به من حسن بعض الأُمور وقبح بعضها ليس مرجعه عدا العواطف الموجودة فينا، فنحن إنَّما نقول: إنَّ ضرب اليتيم قبيح، وإنَّ الترفيه عنه حسن؛ لما نملكه في أنفسنا من صفة الرقَّة والحنان والشفقة عليهم، في حين أنَّنا لا نقول بقبح قتل الحشرات المزاحمة لراحة الإنسان؛ لأنَّنا لا نملك رأفة وشفقة عليها.

ولو فرضنا مجتمعاً قسيَّ القلب لا يعطف على يتيم أو ضعيف، ولا يتأ لَّم بأذاهم، ولا يرتاح براحتهم لما قالوا بقبح ضرب اليتيم وحسن مساعدة الضعيف.

ويمكن تنبيه الوجدان إلى خطأ فكرة من هذا القبيل بالفاته إلى بعض الأمثلة الوجدانيّة: من قبيل إحساس وجداننا بحقَّانيّة القِصاص حتّى لو كان القِصاص يجرح عواطفنا؛ لأنَّه كان يرد على ابننا مثلاً، فيؤدِّي إلى قتله أو جرحه أو نحو ذلك، فتنجرح عاطفتنا الرحميّة باصابة ابننا الأذى، ولكننا مع ذلك نحسُّ بحقَّانيّة هذا القِصاص.

وأيضاً نرى أنَّ الضمير والوجدان يحكمان بحسن العفو وبحقانيّة القِصاص في مورد واحد وفي وقت واحد، في حين أنَّه لو أُرجع ذلك إلى العواطف لكان هذا تناقضاً؛ لأنَّ الشخص إمّا أن تنحاز عاطفته بعد الكسر والانكسار نحو العفو أو نحو