المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

135

ذلك يذكّرنا بعقليّة الكلّيّ الهمداني.

وعلى أيّة حال فقد كان هدفي من نقل هذا الكلام أن يُعرف اعترافهم بأنّ مجرّد تقوية الروح في مقابل البدن شيء، والتقرّب إلى الله ـ تعالى ـ شيء آخر. فالأوّل يكون حتّى لدى الملحدين والمشركين، فكما أنّ هناك أُناساً يقوّون أجسامهم بالرياضات البدنيّة ولا فرق في ذلك بين المشرك والموحّد، كذلك يوجد هناك أُناس يقوّون أرواحهم بالرياضات الروحيّة ولو كانوا مشركين، فلو رأى أحد بعض التصرّفات الدالّة على قوّة الروح لدى من يدّعي العرفان لا يكون مجرّد ذلك كافياً في الاستدلال على كون طريقه صحيحاً في نظر الشرع، وكونه متقرّباً إلى الله سبحانه.

وأيضاً قال بعضهم: إنّ المكاشفات الروحيّة تحصل قبل الوصول إلى عالم التوحيد وعالم الله، وتكون مشتركة بين المؤمن والكافر، ولا يدلّ ثبوتها على الكمال، ولا عدم ثبوتها على نفي الكمال(1).

أقول: وقد يتوهّم بعض: أنّ بعض الغرائب التي تصدر من الشخص نتيجة لتقوية الروح يعتبر أمراً من سنخ المعاجز، غاية ما هناك أنّها لا تسمّى معاجز؛ لأنّها لم تقترن بدعوى النبوّة أو الإِمامة، فهي كرامات لأولياء الله، في حين أنّ هذه الغرائب تصدر حتى من المرتاضين الملحدين أو المشركين.

وحلّ ذلك هو: أنّ الإعجاز يكون خرقاً لقوانين الطبيعة والذي لا يكون إلاّ من قبل خالق الطبيعة، أو من يكون حقّاً مَظْهراً للخالق من نبيّ أو إمام أو وليّ من أولياء الله، وفي الثالث يسمّى بالكرامة لا بالإعجاز. وأمّا الخوارق التي تصدر من المرتاضين والمتصوفين وما إلى ذلك فهي: وإن كانت خوارق لما اعتاد عليه الناس، ولكنّها ليست خوارق لقوانين الطبيعة، بل تكون هي نتيجة المشي على


(1) راجع تعليق السيّد محمّد حسين الطهراني على الرسالة المنسوبة إلى بحر العلوم: 160.