المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الرابع

60

بيان ذلك: أنّه لو أرجعنا قيد الوجوب إلى المادّة مع فرض عدم كونه قيداً لها في المرتبة السابقة على طروّ الوجوب فلا يخلو الأمر من أحد وجهين:

الأوّل: أن يكون القيد راجعاً إلى ذات المادّة من حيث هي، لا من حيث كونها معروضة للوجوب، فمجيء زيد مثلا قيد لذات الإكرام بما هو إكرام لا بما هو واجب، فطروّ القيد على المادّة يكون في عرض طروّ الوجوب عليها.

ويرد عليه: أنّه بعد أن كان المفروض أنّ المقيّد بهذا القيد ذات الإكرام من حيث هو، لا من حيث كونه معروضاً للوجوب، لا يكون الوجوب عندئذ مضيّقاً باعتبار هذا القيد، وهذا خلاف المفروض من كونه في لبّ الواقع قيداً للوجوب وكون دائرة الوجوب باعتبار الشرط ـ وهو المجيء مثلا ـ مضيّقة، وإن لم تكن مضيّقة فلا محالة يجب تحصيل القيد لتحصيل الواجب.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّنا وإن أرجعنا القيد في كلام المولى إلى الإكرام من باب ضيق الخناق، لكنّنا بقرينة الحكمة ـ أي: من باب صون كلام الحكيم عن اللغويّة ودلالة الاقتضاء ـ نفهم أنّ الوجوب مضيّق، وإلّا للغى تقييد الإكرام بهذا القيد ما لم ينته الأمر إلى شرط الواجب أو شرط الوجوب.

ولكن هذا كما ترى، فإنّ المعنى المستفاد عرفاً من مثل قوله: (إن جاءك زيد فأكرمه) ـ وهو الحكم المضيّق ـ ليس متوقّفاً على توجّه العرف إلى دلالة الاقتضاء، كما يقال في مثل (اسأل القرية): إنّ دلالة الاقتضاء تدلّ على إرادة سؤال أهل القرية، بل يستفاد من طبع القضيّة مع عدم التوجّه والنظر إلى هذه الاُمور.

إذن فالتضييق ثابت حتّى في دائرة المدلول التصوّريّ، ودلالة الاقتضاء إنّما تنفع بالنسبة للمدلول التصديقيّ.