المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثالث

532

تنبيهان:

 

هل النهي يدلّ على الصحّة؟

التنبيه الأوّل: أنّ أبا حنيفة ذهب إلى أنّ النهي يدلّ على الصحّة. ونحن نوقع الكلام تارة في النهي عن العبادة، واُخرى في النهي عن المعاملة:

أمّا النهي عن العبادة فهنا نقصر النظر على ما مضى من الملاك الأوّل من ملاكات البطلان، وهو: أنّ تعلّق النهي بالعبادة يوجب المبعّديّة ومعه لا يمكن التقرّب بها، فنقول:

لا شكّ في أنّ تعلّق النهي بالعبادة المقرّبة بالفعل مستحيل؛ لاستلزامه لمبعّديّة ما هو مقرّب، فلا يتعلّق النهي بذلك حتّى يقال: إنّه يدلّ على الصحّة أو لا يدلّ، وأمّا تعلّقه بالعبادة بمعنى ما يكون مقرّباً لولا النهي فهذا معقول، ولكنّه لا يدلّ على الصحّة.

وأمّا النهي عن المعاملة فإنّما يدلّ على الصحّة لو فُرض تعلّقه بالمسبّب، أعني: خصوص الملكيّة الشرعيّة لا الأعمّ من الشرعيّة والعقلائيّة، ووجه دلالته على الصحّة في هذا الفرض: أنّه مع فرض فساد المعاملة لا يكون المكلّف قادراً على إيجاد المسبّب، ومن المعلوم أنّ متعلّق النهي لابدّ أن يكون مقدوراً.

وقد يجاب عن ذلك بأنّه يكفي كون متعلّقه ـ وهو إيجاد المسبّب ـ مقدوراً لولا النهي، ولا يلزم كونه مقدوراً حتّى مع فرض النهي.

إلاّ أنّ هذا الكلام غير صحيح؛ فإنّ الأمر بالعكس، أعني: أنّه يشترط في متعلّق النهي القدرة بعد النهي وفي وقت الامتثال أو العصيان، ولا أثر للقدرة قبل النهي أصلا، فلو فُرض كون تعلّق النهي بأمر داخل تحت القدرة موجباً لخروجه عنها