المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثالث

258

انتزاعها في الخارج بالنظر التصوّريّ، وبهذا النظر يمكن تعلّق الطلب بها بلا حاجة إلى توسيط الوجود، وإلاّ لسرى الإشكال إلى طلب الوجود أيضاً؛ إذ لو اُريد به مفهوم الوجود من دون أن يُلحظ فانياً في الخارج فمفهوم الوجود حاله حال الماهيّة أمرٌ اعتباريّ انتزاعيّ. وإن لوحظ فانياً في الخارج فلتلحظ الطبيعة كذلك بلا حاجة إلى توسيط مفهوم الوجود. وأمّا حقيقة الوجود فليست داخلة في مداليل الألفاظ؛ لعدم إمكان تصوّرها لنا.

الثاني: ما ذكره في الكفاية من أنّ الماهيّة بما هي هي ليست إلاّ هي لا موجودة ولا معدومة، لا مطلوبة ولا غير مطلوبة، فلابدّ من توسيط الوجود بينها وبين الطلب.

ويرد عليه: أنّ معنى كون الماهيّة بما هي هي ليست إلاّ هي ـ الذي جاء في كلام الفلاسفة ـ هو أنّ الماهيّة في مرتبة ذاتها ليست إلاّ هي وجنسها وفصلها ونوعها. وفي هذه المرتبة كلا النقيضين مرتفع، فلا هو وجود ولا عدم، ولا هو طلب ولا عدمه، وهذا غير مرتبط بما ندّعيه من تعلّق الطلب بالماهيّة بما هي هي؛ فإنّنا لا نقصد بكلمة (بما هي هي) ما قصده الفلاسفة، وهو معنى مرتبة الذات، بل نقصد بذلك معنى تحديدها بحدودها، فيقال: إنّ هذه الماهيّة بهذه الحدود أصبحت مطلوبة لا بتوسّط الوجود مثلا. وهذا لا يرجع إلى فرض الطلب داخلا في ذاتها حتّى يجاب على ذلك بأنّ الماهيّة بما هي ليست إلاّ هي. وما أكثر ماوقع الخلط والاشتباه على أساس مصطلح فلسفيّ.

الثالث: أنّه لو لم نُدخل الوجود في الحساب لم يبق فرق بين الأمر والنهي، فكلٌّ من: (صلّ) و(لا تصلّ) مشتمل على المادّة والهيئة، فإذا افترضنا أنّ المادّة فيهما إنّما تدلّ على الماهيّة وأنّ الهيئة فيهما إنّما تدلّ على الطلب، فأيّ فرق يبقى بينهما؟! فالفرق يكون بافتراض أنّ الأمر طلبٌ لوجود الماهيّة، والنهي طلب لتركها.