المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثالث

253

واستلزام العلّة للمعلول، فهذه الاستحالة وكذلك هذا الاستلزام ليس للاعتبار دخلٌ في حقّانيّتها، وهي حقّ بذاتها لا بلبسها ثوب الوجود، كما في الإنسان والحيوان ونحوهما، فوعاء الخارج أوسع من وعاء الوجود، وظرف الاتّصاف والعروض معاً للإمكان والاستلزام ونحوهما إنّما هو وعاء الخارج.

وبكلمة اُخرى: ماذا يقصد بقولهم: إنّ مثل الملازمة والإمكان والاستحالة اُمور ذهنيّة؟

إن قُصد بذلك: أنّها من قبيل الاعتبارات الذهنيّة الجزافيّة، كاعتبار الإنسان طويلا يصل إلى الشمس والتي لا واقع لها إلاّ نفس واقع الاعتبار، فهذا بديهيّ البطلان؛ لبداهة الفرق بين قولنا: (الإنسان ممكن)، وقولنا: (الإنسان طويل يصل إلى الشمس)، فالأوّل يعتبر صادقاً، والثاني يعتبر كاذباً. وهذا لا يكون إلاّ باعتبار لحاظهما خارج وعاء الاعتبار، فلو كانا من سنخ واحد ومن عالم الاعتبار لم يكن فرق بينهما في الصدق والكذب، وكان كلاهما صادقاً بلحاظ وعاء الاعتبار، وكاذباً بلحاظ الخارج.

وإن قُصد بذلك: أنّنا حينما نتصوّر الإنسان ينساق ذهننا إلى أن نولّد منه الإمكان، ولا ينساق ذهننا إلى أن نولّد منه الطول، فكون الإمكان أمراً ذهنيّاً يعني: أنّه حالة عقليّة ينساق إليها الذهن البشريّ عند تصوّر الإنسان. وهذا يفسّر لنا الفرق بين إمكان الإنسان وطوله، قلنا: إنّ هذا الانسياق إمّا أن يرتبط بنكتة فسلجيّة في نطاق ذات المفكّر، أو بنكتة ترجع إلى نفس الأمر المفكَّر فيه:

والأوّل خلاف الضرورة والوجدان، وإن ادّعاه بعض الفلاسفة الاُوربّيّين بالنسبة للمقولات؛ فإنّ الضرورة والوجدان حاكم بالفرق بين هاتين القضيّتين بقطع النظر عن وجودنا في العالم. فمثلا قولنا: (مساوي المساوي مساو) كلام صحيح، وُجد في العالم مُدرك أو لا. وقولنا: (مساوي المساوي مخالف) كلامٌ باطل، وُجد في العالم مُدرك أو لا.