المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثالث

24

العالم عدم عالم آخر مثلا.

وأمّا الشقّ الثاني، وهو كون أحد الضدّين مانعاً عن ضدّه على حدّ تأثير الوجود في الوجود تأثيراً معاكساً، فلأنّه متى يمنع الضدّ عن ضدّه الآخر؟ هل حين عدمه، أو حين وجوده؟ أمّا حين عدمه، فهو غير معقول؛ إذ يلزم تأثير المعدوم في الموجود، وأمّا حين وجوده، فأيضاً غير معقول؛ لأنّه إذا فرض أنّ عدم أحد الضدّين مقدّمة للضدّ الآخر، إذن فوجود هذا الضدّ معناه الفراغ في المرتبة السابقة عن عدم الضدّ الآخر، إذن فما معنى دفع هذا الضدّ لذاك الضدّ وإعدامه إيّاه؟!(1).

البرهان الثالث: أنّ مقدّميّة عدم أحد الضدّين: إن فرضت بمعنى تأثير العدم في الوجود، فتأثير العدم في الوجود من المستحيلات كما هو واضح، وإن فرضت بمعنى منع الوجود عن الوجود، قلنا: إنّ وجود أحد الضدّين متى يمنع عن وجود الآخر؟ هل عند عدمه أو عند وجوده؟ أمّا عند عدمه، فيلزم تأثير المعدوم في الموجود والذي هو محال، وأمّا عند وجوده، فلا يعقل تأثيره في رفع وجود الآخر؛ لأنّ اجتماع الضدّين محال بالذات(2)، أي: أنّ ماهيّة الشيء بذاتها تضيق وتمتنع عن أن توجد عند وجود ضدّها، فلا يعقل أن يكون وجود ضدّها في هذا الحال مانعاً عن وجودها؛ لأنّ المستحيل بالذات لا يعقل أن يكون له مانع، كما لا يعقل أن يكون له مقتض؛ وذلك: إمّا بالبداهة، وإمّا ببيان(3): أنّ أجزاء العلّة


(1) وهذا البرهان يبطل حتّى المانعيّة الشأنيّة؛ إذ الشيء لا يعقل أن تكون له شأنيّة إيجاد ما فرغنا سابقاً عن وجوده، أي: شأنيّة تحصيل الحاصل.

(2) هذا البرهان أيضاً يبطل المانعيّة الشأنيّة، كما يبطل المانعيّة الفعليّة؛ لأنّ الممتنع بالذات لا مانع له ولو شأناً، وذلك لو تمسّكنا في ذلك بالبداهة.

(3) هذا البيان إنّما يبطل المانعيّة الفعليّة لا الشأنيّة، بخلاف فرض البداهة.