المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثالث

23

البرهان الثاني: أنّ عدم أحد الضدّين لو كان مقدّمة للضدّ الآخر، فمقدّميّته له: إمّا تكون من باب تأثير العدم في الوجود، أو من باب تأثير الوجود في الوجود تأثيراً معاكساً كما مضى هذا التشقيق آنفاً. وكلا الشقّين باطل:

أمّا الشقّ الأوّل، فلوضوح استحالة تأثير العدم في الوجود، وبذلك يبرهن في الفلسفة على وجود الله، حيث إنّه لا يعقل افتراض أن يكون المؤثّر في وجود هذا



الآخر بأن يقال: إنّ ما مضى لإثبات كون مقتضي السواد مثلا مقتضياً لعدم البياض، بعد حمله ـ بما عرفته من حساب الاحتمالات، أو بوجدانيّة عدم تأثير العدم في الوجود ـ على أنّ مقتضي السواد مانع عن البياض، لا أنّ عدمه شرط أو مقتض له، لم يكن يثبت فعليّة المانعيّة التي لا تكون إلاّ مع تماميّة المقتضي والشرط، وإنّما كان يثبت قوّة المانعيّة، أي: اقتضاء المنع في نفسه بغضّ النظر عن أنّه لو لم يتمّ المقتضي لم تصل النوبة إلى المنع. وهذه القوّة ثابتة حتّى مع فقد المقتضي، كيف وقد يتّفق بلا إشكال أنّ مقتضي البياض مثلا غير موجود، فهل مقتضي السواد حينئذ يسقط عن اقتضاء عدم البياض نهائيّاً؟ ولو كان كذلك، قلنا مثلا: إنّ اقتضاءه للسواد هل هو مطلق من ناحية البياض، أو مقيّد بعدمه؟ وكلاهما باطل كما مضى، إذن فلا محيص عن أن يقال في مثل ذلك بالاقتضاء الشأنيّ لعدم البياض، والمانعيّة الشأنيّة للبياض بمعنى قوّة المنع. وإن شئت فقل: إنّ مقتضي السواد الأقوى من مقتضي البياض والمؤثّر فعلا إنّما يقتضي بالفعل سواداً لا بياض معه، لكي لا يلزم مثلا كون الاقتضاء بالقياس إلى البياض مطلقاً أو مقيّداً بالعدم، وهذا لا يعني اقتضاءه لعدم البياض، بمعنى منعه الفعليّ للبياض، بمعنى ضرورة تماميّة مقتضي البياض وشرائطه، إذن فأيّ مانع من افتراض: أنّ عدم السواد شرط، أو جزء المقتضي للبياض؟ فإنّ غاية ما يلزم من ذلك هو رفع اليد عن فعليّة منع مقتضي السواد عن البياض؛ لأنّ البياض منتف بانتفاء شرطه أو مقتضيه، فلا معنى للمانعيّة الفعليّة لمقتضي السواد عن البياض، لكن هذا لا ينافي المانعيّة الشأنيّة بمعنى قوّة المنع ذاتاً.