المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثالث

19

فالمتعيّن هو الفرض الثالث، وهو: أنّ المقتضي الأقوى لأحد الضدّين يكون اقتضاؤه مانعاً عن الضدّ الآخر، لا مطلقاً من ناحيته ولا مقيّداً بعدمه.

الأمر الثاني: أن يقال: إنّ الضدّ هل يمنع حين وجوده الضدّ الآخر عن الوجود، أو حين عدمه؟ طبعاً منعه حين عدمه غير معقول، فلابدّ أن يكون منعه حين وجوده، إلاّ أنّ هذا أيضاً غير معقول؛ إذ لا يعقل أن يوجد إلاّ عند وجود مقتض أقوى من مقتضي ضدّه؛ فإنّه لا يعقل أن يوجد بلا مقتض أو بمقتض مغلوب أو مساو لمقتضي الآخر كما هو واضح، وقد فرغنا في الأمر الأوّل عن أنّ المقتضي الأقوى مانع عن وجود الضدّ الآخر، إذن فهذا الضدّ إنّما يوجد في طول المانع عن الضدّ الآخر، فلا يعقل أن يكون هو بدوره مانعاً عن ذلك الضدّ، فإنّ ذلك الضدّ ممنوع بمقتضى هذا الضدّ بحسب الفرض.

فإن قلت: إنّ كون مقتضي هذا الضدّ الذي وجد مانعاً عن الضدّ الآخر ليس دليلا على أنّ هذا الضدّ ليس مانعاً عنه أيضاً؛ إذ من المحتمل كون هذا أيضاً مانعاً، فيكون من باب اجتماع مانعين على ممنوع واحد، سنخ اجتماع علّتين تامّتين على معلول واحد، فإنّ هذا ليس بمستحيل، غاية ما هناك أنّه تصبح حينئذ كلّ واحدة من العلّتين جزء المؤثّر.

قلت: قياس ذلك باجتماع مانعين عرضيّين على ممنوع واحد، أو علّتين تامّتين عرضيّتين على معلول واحد قياس مع الفارق.

وتوضيح ذلك: أنّ منع هذا الضدّ إنّما هو في طول وجوده كما هو واضح، ووجوده في طول أقوائيّة مقتضيه كما هو واضح أيضاً، فقد أصبح منعه في طول أقوائيّة مقتضيه، أو قل: في طول ضعف مقتضي ضدّه بالقياس إلى مقتضيه، وكون منعه عن ضدّه في طول ضعف مقتضي الضدّ عبارة اُخرى عن كون ممنوعيّة ضدّه به في طول ضعف مقتضيه، وهذا معناه: أنّ الممنوع بهذا الضدّ إنّما هو ضدّه المقيّد