المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثالث

18

قبول شخصين، وكان زيد بانياً على إيثار عمرو على نفسه لو أراد عمرو الدخول.

فإن قلت: إنّ دعوى هذا الوجدان ـ أعني: وجدان عدم كون اقتضاء المقتضي لأحد الضدّين مقيّداً بعدم الضدّ الآخر ـ أشبه شيء بأن يدّعى ابتداءً وجدانيّة أنّ أحد الضدّين لا يمنع عن وجود الضدّ الآخر، والذي معناه تكذيب الخصم ابتداءً بالوجدان.

قلت: إنّ عدم مانعيّة أحد الضدَّين عن ضدّه، أو عدم مقدّميّة ترك أحدهما للآخر وإن كان وجدانيّاً أيضاً ـ وفق وجداننا المعمّق ـ لكنّنا لا نريد أن نقتصر على مجرّد أن نقول: إنّ مدّعى الخصم باطل وجداناً، بل نريد أن نستشهد على هذا الأمر بوجدان آخر أوضح من هذا الوجدان، فإنّ وجدان عدم مانعيّة أحد الضدّين للآخر قد يغفل عنه الخصم؛ لوجود وجدان آخر موهِمٌ للمانعيّة، وهو وجدان التضادّ والتنافي، وعدم إمكان الجمع بينهما، ولكن مثل هذا الموهِم غير موجود بالنسبة إلى اقتضاء مقتضي أحد الضدّين مع الضدّ الآخر؛ إذ ليس بين اقتضاء مقتضي أحد الضدّين والضدّ الآخر تناف، وإنّما التنافي بين فعليّة تأثير ذاك الاقتضاء بإيجاده للضدّ والضدّ الآخر، فالوجدان الحاكم بعدم تقيّد اقتضاء مقتضي أحد الضدّين بعدم الضدّ الآخر غير مبتلى بوجدان آخر يوهم خلافه، فيكون أوضح من وجدان عدم مانعيّة أحد الضدّين للضدّ الآخر، وينبغي للخصم أيضاً أن يعترف به.

الثاني: أن يقال: إنّ المقتضي الأقوى لأحد الضدّين لو كان اقتضاؤه لذلك الضدّ مقيّداً بعدم الضدّ الآخر، إذن لما كانت أقوائيّته تشفع له في تقدّمه على مقتضي الضدّ الآخر في التأثير وإيجاده لمقتضاه؛ إذ لو أثّر المقتضي الآخر لارتفع موضوع هذا الاقتضاء مهما فرض قويّاً، مع أنّنا نشاهد ـ بحسب الخارج ـ أنّه حينما يتزاحم مقتضيا ضدّين في عالمنا هذا يغلب المقتضي الأقوى المقتضي الأضعف.