المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثالث

112

أمّا إذا لم يكن شيء من هذه الفروض، بل كان أحد الأمرين مشروطاً بترك الآخر ـ كما هو المفروض ـ فلا يلزم طلب الجمع، بدليل أنّه لو أتى المكلّف محالا بهما لم يقعا معاً على صفة المطلوبيّة، ببرهان أنّه لو فُرض تحقّق ترك الأهمّ لزم اجتماع النقيضين، ولو فُرض عدم تحقّقه ومع ذلك كان المهمّ مطلوباً لزم وجود المعلول بلا علّة؛ لأنّ مطلوبيّة المهمّ تتفرّع على ترك الأهمّ بحسب الفرض.

أقول: إنّ هذا الكلام أيضاً يجب إرجاعه إلى ما أشرنا إليه وسوف يأتي توضيحه: من أنّ أحد المقتضيين إذا كان موقوفاً على عدم تأثير الآخر استحال التصادم بينهما، أمّا إذا لم يرجع إلى ذاك أمكن لمغالط أن يغالط ويقول: إنّه لو فُرض محالا أنّ المكلّف جمع بين الضدّين، فهل يُفرض أيضاً محالا الجمع بين النقيضين ـ أعني: فعل الأهمّ مع تركه ـ أو لا؟ فإن فُرض الجمع بين النقيضين أيضاً، فقد اتّصف كلا الضدّين بصفة المطلوبيّة؛ فإنّ مطلوبيّة المهمّ قد تحقّق شرطها، وهو ترك الأهمّ. وإن لم يُفرض ذلك فعدم اتّصاف المهمّ الذي أتى به بالمطلوبيّة، إنّما هو من باب عدم إتيانه بالمطلوب بكلّ قيوده؛ فإنّ قيد الوجوب يكون أيضاً قيداً للمادّة، بمعنى أنّه لا يبقى للمادّة إطلاق لفرض عدم ذاك القيد، فكأنّما المطلوب هو المهمّ المقيّد بعدم الأهمّ، فعدم اتّصاف ما أتى به المكلّف بالمطلوبيّة يكون من ناحية قصور في فعل المكلّف لا في الطلب. فهذا يكون من قبيل ما لو تعلّق أمران عرضيّان: أحدهما بالأهمّ، والثاني بالمهمّ المقيّد بترك الأهمّ، ومن الواضح أنّ هذا لا يجوز بالرغم من أنّه لو أتى المكلّف بالأهمّ والمهمّ معاً لم يقع كلا فعليه على صفة المطلوبيّة.

والجواب على هذه المغالطة يجرّنا إلى بيان ما ذكرناه: من أنّ أحد الاقتضاءين قد قُيّد بعدم تأثير الاقتضاء الآخر. وهذا أيضاً من إفادات المحقّق النائينيّ(رحمه الله).