المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثالث

106

النحوين الأوّلين نسبة العلّة إلى المعلول، فيستحيل أن يتعرّض الحكم لحاله هدماً أو بناءً؛ لأنّ المعلول لا يرفع رأسه وينظر إلى علّته ويهدمها أو يبنيها. وهذا بخلاف النحو الثالث، فإنّ نسبة الحكم إلى تقديري الامتثال والعصيان نسبة العلّة إلى المعلول، فيكون له تعرّض لحالهما ويهدم أحدهما ويبني الآخر.

النقطة الثالثة: في بيان تأثير هذا المطلب في تصحيح الترتّب فنقول: إنّه إذا ترك المكلّف الأهمّ فقد اجتمع في حقّه الأمر بالأهمّ والأمر بالمهمّ في آن واحد، وكان الأمران منحفظين على تقدير ترك الأهمّ، إلاّ أنّ انحفاظ أحدهما على هذا التقدير يختلف سنخاً عن انحفاظ الآخر على هذا التقدير، فالأمر بالمهمّ منحفظ على هذا التقدير بالتقييد به، ولكنّ الأمر بالأهمّ منحفظ على هذا التقدير بذاته، وعندئذ لا يبقى تصادم بينهما.

وتقريب عدم التصادم ـ على ما يظهر من عبارة المحقّق النائينيّ(رحمه الله)، وإن لم تكن صريحة فيه ـ هو: أنّ كلاًّ من الأمرين قد اقتضى ما لا يتصادم مع مقتضى الآخر، فإذا لم يكن تصادم بين المقتضيين فلا وجه للتصادم بين الأمرين؛ فإنّ ما يقتضيه الأمر بالمهمّ إنّما هو فعل المهمّ على تقدير ترك الأهمّ، لا ترك الأهمّ؛ لما عرفت من أنّ انحفاظ الأمر بالمهمّ على هذا التقدير إنّما هو بالتقييد، فنسبته إليه نسبة المعلول إلى العلّة، فيستحيل أن ينظر إليه ويهدمه أو يبنيه. وما يقتضيه الأمر بالأهمّ إنّما هو فعل الأهمّ وهدم تركه؛ لأنّ انحفاظه على هذا التقدير إنّما هو بالانحفاظ الذاتيّ، فهو بالقياس إلى هذا التقدير نسبته نسبة العلّة إلى المعلول، وله الهدم والبناء. وأمّا الإتيان بالمهمّ على تقدير عصيانه فلا نظر له إليه ولا يتعرّض لحاله هدماً وبناءً، فلو استفتينا الأمر بالأهمّ وقلنا له: ما رأيك في أن نصلّي على تقدير مخالفتك بترك الإزالة؟ لقال: إنّني اُريد أن تزيل النجاسة، أمّا إذا لم تزل فلا يفرّق بحالي أن تصلّي أو لا تصلّي، فإذا اتّضح أنّ المقتضيين لا مساس