المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (8) محــاســبة النفس (1)

9

1 ـ ﴿إن الله كان عليكم رقيبا﴾(21).

2 ـ ﴿ألم يعلم بأن الله يرى﴾(22).

وعن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أنّه قال لأبي ذرّ: «... يا أبا ذرّ اعبدالله كأنّك تراه، فإن كنت لا تراه فإنّه يراك...»(23).

وتقسّم هذه الملاحظة إلى درجتين:

الأُولى ـ مراقبة المقرّبين، وهي: مراقبة التعظيم والإجلال، وهي: أن يصير القلب مستغرقاً بملاحظة ذلك الجلال ومنكسراً تحت الهيبة، فلا يبقى فيه متسع للالتفات إلى غيره.

والثانية ـ مراقبة الورعين من أصحاب اليمين، وهم: قوم غلب يقين اطّلاع الله على ظواهرهم وبواطنهم على قلوبهم، ولكن لم تدهشهم ملاحظة الجلال والجمال، بل بقيت قلوبهم على حدّ الاعتدال متّسعة للتلفّت إلى الأحوال والأعمال، إلّا أنّها مع ممارسة الأعمال لا تخلو عن المراقبة فيها، نعم غلب عليهم الحياء من الله تعالى فلا يُقدمون ولا يحجمون إلّا بعد التثبّت فيه.

ويُعرف اختلاف الدرجتين بملاحظة المراقبين الاعتياديين من الآدميين، فإنّك في خلواتك قد تتعاطى أعمالاً، ويدخل عليك ملِك من الملوك أو كبير من الأكابر فيستغرقك التعظيم حتى تترك كلّ ما أنت فيه شغلاً به لاحياءً منه، وربّما لايدخل عليك كبير من هذا النمط، بل يحضرك صبيّ أو إنسان عاديّ، فتعلم أنّه مطّلع عليك، فتستحي منه، فتحسن جلوسك وتراعي أحوالك لا عن إجلال وتعظيم بل عن حياء، فإنّ مشاهدته وإن كانت لا تدهشك ولا تستغرقك، ولكنّها تهيّج الحياء منك.

فعلينا أن نراقب الله سبحانه وتعالى ـ في الأقلّ ـ بقدر مراقبتنا للصغير أو للإنسان الاعتيادي، ونستحي منه ـ في الأقلّ ـ بقدر حيائنا من الصغير أو الإنسان الاعتيادي: «فلو اطّلع اليوم على ذنبي غيرك ما فعلته، ولو خفت تعجيل العقوبة لاجتنبته، لا لأنّك أهون الناظرين إليّ وأخفّ المطّلعين عليّ، بل لأنّك ياربّ خير الساترين، وأحكم الحاكمين، واكرم الأكرمين، ستّار العيوب، غفّار الذنوب، علاّم الغيوب، تستر الذنب بكرمك، وتؤخّر العقوبة بحلمك...»(4).


(1) السورة 4، النساء، الآية: 1.
(2) السورة 96، العلق، الآية: 14.
(3) البحار 77/74.
(4) مفاتيح الجنان، دعاء أبي حمزة الثمالي.