المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (8) محــاســبة النفس (1)

7

هكذا نتعلّم من هذه الأدعية المباركة لغة محاسبة النفس الصادقة رغم وحدة التعبير لدى صدورها عن العاصين، ولدى صدورها عن المتقين العارفين، وبشتّى مستويات العرفان غير المتناهية، وفي كلّ مرتبة من المراتب تعطي هذه الكلمات المعنى المناسب لتلك المرتبة. وسلام الله على أهل بيت يكون كلامهم دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق.

ولنختم حديثنا عن المحاسبة بالكلام حول ما قيل في تشخيص موقعية المحاسبة والأُمور المرتبطة بها: من أنّه لابدّ من المرابطة مع النفس أوّلاً بالمشارطة، ثُمّ بالمراقبة، ثُمّ بالمحاسبة، ثُمّ بالمعاقبة، ثُمّ بالمجاهدة، ثُمّ بالمعاتبة، وأصلها: هو المحاسبة، ولكنّ الحساب يكون بعد المشارطة والمراقبة، وتتبعه عند الخسران معاتبة ومعاقبة(1).

ونحن لا نقبل من هذا الكلام فرضيّة الترتّب بين المعاقبة والمعاتبة وكون الثانية متأخرة من الأُولى بدرجتين، بل هما في عرض واحد. وبعد هذا الاستثناء نتكلّم بشكل مختصر عن هذه المراتب بالشكل الذي نراه صحيحاً، وليس يطابق بالضرورة تطابقاً كاملاً لما قاله الغزالي في شرح ذلك. فنقول:

أوّلاً ـ المشارطة:

فعمر الإنسان رأس ماله الحقيقي يضعه الإنسان أمانة بيد نفسه، ونفسه أمارة بالسوء، ولو غفل الإنسان عنها لفرّطت النفس بهذا المال، فعليه أن يشارط نفسه كلّ يوم مرّة في الأقلّ أو كلّ يوم وليلة مرّتين: بأن يأخذ على نفسه في أوّل النهار وفي أوّل الليل أن لا يتصرّف في رأس المال هذا إلّا في كذا وكذا من الأُمور، فانّ ساعات عمره خزائن من الأموال والمجوهرات مودعة لديه من قبل الله تعالى، وخسرانها يوجب الحسرات الشديدة.


(1) راجع المحجة 8/150، والإحياء 4/362.