المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (8) محــاســبة النفس (1)

11

وقد رُوي عن ليث بن أبي سليم(1) قال: «سمعت رجلاً من الأنصار يقول: بينما رسول الله (صلى الله عليه و آله) مستظلّ بظلّ شجرة في يوم شديد الحرّ إذ جاء رجل ينزع ثيابه، ثُمّ جعل يتمرّغ في الرمضاء يكوي ظهره مرّة وبطنه مرّة وجبهته مرّة، ويقول: يا نفس ذوقي فما عند الله أعظم ممّا صنعتُ بكِ، ورسول الله (صلى الله عليه و آله) ينظر إلى ما يصنع، ثُمّ إنّ الرجل لبس ثيابه، ثُمّ أقبل فأومأ إليه النبي (صلى الله عليه و آله) بيده ودعاه، فقال له: يا عبدالله لقد رأيتك صنعت شيئاً ما رأيت أحداً من الناس صنعه، فما حملك على ما صنعت؟ فقال الرجل: حملني على ذلك مخافة الله، وقلت لنفسي: يانفس ذوقي فما عند الله أعظم ممّا صنعتُ بكِ، فقال النبي (صلى الله عليه و آله): لقد خفت ربّك حقّ مخافته، وإنّ ربّك ليباهي بك أهل السماء، ثُمّ قال لأصحابه: يا معشر من حضر ادنوا من صاحبكم حتى يدعو لكم، فدنوا منه، فدعا لهم وقال: اللّهمّ اجمع أمرنا على الهدى، واجعل التقوى زادنا، والجنّة مآبنا».

وخامساً ـ المجاهدة:

فبعد أن رأى الإنسان من نفسه التقصير ينبغي له أن يجاهد نفسه بتدارك ما فات وبالاستزادة فيما يأتي ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبلنا وإن الله لمع المحسنين﴾(2).

وعن مصباح الشريعة عن الصادق (عليه السلام): « طوبى لعبد جاهد لله نفسه وهواه...»(3).

وفي الختام نشير إلى كلمة جليلة حول المشارطة والمراقبة والمحاسبة للسيد الإمام الخميني (رحمه الله) (4)، وهي بتلخيص: أنّه بإمكانك أن تلحظ يوماً واحداً، وتشارط نفسك في أوّله على عدم إرتكاب ما يخالف أوامر الله، وتتّخذ قراراً وعزماً بذلك؛ إذ من الواضح: أنّ ترك ما يخالف أوامر الله ليوم واحد أمر يسير للغاية، فيسهل العزم عليه ومشارطة النفس به، وعليك بالتجربة كي تراه سهلاً يسيراً، ثُمّ تراقب نفسك في ذلك اليوم على عدم نكثها للشرط، ثُمّ تحاسب نفسك في آخر اليوم على ما حصل في ذلكاليوم، فإن كنت قد وفيت حقّاً بالشرط فاشكر الله على هذا التوفيق، وسيكون عمل الغد أيسر عليك من سابقه، فواظب على هذا العمل فترة، والمأمول أن يتحوّل ذلك إلى ملكة فيك بحيث يصبح هذا العمل بالنسبة لك سهلاً ويسيراً في الغاية، وستحسّ عندها باللَّذة والأُنس في طاعة الله وترك معاصيه، وإذا حدث ـ لا سمح الله ـ في أثناء النهار تهاون حول العمل بالشرط تستغفر الله، وتعزم على الوفاء بكلّ شجاعة بالمشارطة غداً.


(1) المحجة 7/308 ـ 309.
(2) السورة 29، العنكبوت، الآية: 69.
(3) المحجة 8/170.
(4) الأربعون حديثاً: 26 ـ 27، ذيل الحديث الأول.