المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (8) محــاســبة النفس (1)

1

تزكية النفس من منظور الثقلين (8)
محــاســبة النفس (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

قيل: إنّ مرتبة المحاسبة تأتي بعد مرتبة التوبة، فبعد أن عقد التوبة يحاسب نفسه على حفظ التوبة حتى يسلم عقدُها ويثبت دوامها(1).

والواقع: أنّ التوبة والمحاسبة تتفاعلان فيما بينهما، فالتوبة تؤدّي إلى المحاسبة، والمحاسبة تؤثّر في دوام التوبة، والوفاء بها من ناحية وهي قبل التوبة تؤدّي إلى التوبة من ناحية اُخرى.

قال الله تعالى: ﴿يا أيّها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدّمت لغد واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون* ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم اولئك هم الفاسقون﴾(2).

فقوله تعالى: ﴿ولتنظر نفس ما قدّمت لغد﴾ في الحقيقة أمر بالمحاسبة، فعلى الإنسان أن يحاسب نفسه؛ ليرى ماذا قدّم لغده، هل قدّم خيراً أو قدّم شرّاً؟ وإن كان قد قدّم خيراً فما هو مبلغ تقديمه؟ علماً بأنّ ما يقدّمه هو الذي يبقى له، والباقي يفنى كما قال الله تعالى: ﴿ما عندكم ينفد وما عند الله باق..﴾(3).

والذي تقشعرّ له الجلود التعبير الوارد في ذيل الآية ـ وهو قوله: ﴿ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم...﴾ فهذا يعني: أنّ ترك المحاسبة يكون من شأن اُولئك الذين نسوا الله، وأنّ جزاء نسيان الله هو أن يبتليه الله بنسيان نفسه، والذي هو أعظم نسيان حتى عند من لا يهتمّ إلّا بمصالح نفسه. والتعبير بنسيانه لنفسه يتمّ باعتبارين:

ـ أنّ الذي نسى الله لا يذكر مصالح نفسه الأُخروية، والتي هي المصالح الباقية والهامّة، ومن ترك مصالح نفسه فكأنّه ناس لنفسه، وإلّا فكيف لايهتمّ بمصالح نفسه.


(1) راجع باب المحاسبة، وهو الباب الثالث من أبواب البدايات من منازل السائرين.
(2) السورة 59، الحشر، الآيتان: 18 ـ 19.
(3) السورة 16، النحل، الآية: 96.