المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (7) التّوبة والأنابة (3)

6

أوّلا ـ أنّ الإيمان النافع هو الإيمان بالغيب، أمّا الإيمان بالشهود فلا قيمة مهمّة له، فإنّ الإيمان بالشهود أمر سهل يفعله كلّ أحد، وإنّما الخروج من الامتحان يكون بالإيمان بالغيب واتّباعه؛ ولهذا قال سبحانه وتعالى: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم* الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين* الذين يؤمنون بالغيب...﴾(1) أمّا إذا حضر الموت وانكشفت اُمور الآخرة فقد تحوّل الغيب إلى الشهود، وعندئذ لا قيمة مهمّة لحدوث إيمان أو توبة؛ ولعلّه لهذا السبب قال الله تعالى: ﴿وقالوا لولا أُنزِل عليه ملك ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر ثم لايُنظرون﴾(2).

إذ إن نزول الملك الذي هو من عالم الغيب يعني تحوّل الغيب إلى الشهود، وعندئذ تنقطع المهلة، ويُقضى الأمر. وأيضاً قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وقالوا ياأيّها الذي نزّل عليه الذكر انك لمجنون* لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين* ماننزّل الملائكة إلّا بالحق وما كانوا إذن مُنظرين﴾(3).

وثانياً ـ أنّ فتح باب التوبة لم يكن يعني: أنّ التائب لا يستحقّ العقاب على معصيته، فإنّ العاصي خالف الحقّ، ومخالفُ الحقّ يستحقُّ الجزاء ولو تاب، وذلك من قبيل ما لو أنّ أحداً قَتَل ابنك، ثُمّ تندّم على ما فعل وتاب لم تُسْقِط توبتُه حقَّ قِصاصك عليه، فكذلك من خالف حقّ الربّ تبارك وتعالى فاستحقّ العقاب لايُسْقِط بتوبته استحقاقه للعقاب، وإنّما يعني فتحُ باب التوبة: أنّ الله ـ تعالى ـ يريد تطهير روحك، وتنظيف قلبك من الدنس الذي تدنّستَ به بسبب المعصية، وجعل العقاب رحمةً بك؛ كي يؤدّي إلى أن تحرق روحك بنار التوبة قبل نار جهنّم، فإذا تبت فقد طهرت من الدنس، ورجعت إلى الفطرة الصافية، وكان هذا هو المقصود لله سبحانه، فيقبل توبتك؛ لأنّ التوبة تعني: التحول والانقلاب الحقيقيين فيواقع نفسك، وهذا لا يكون حينما تكون التوبة نتيجة رؤية البأس والهلاك؛ إذ عندئذ يندم الإنسان لما يرى أمامه من العذاب الفعلي، وهذا لا يعني حصول التحوّل والانقلاب الحقيقيين في نفسه ورجوع الصفاء والطهارة إليه.


(1) السورة 2، البقرة، الآيات. ـ 3.
(2) السورة 6، الأنعام، الآية: 8.
(3) السورة 15، الحجر، الآيات:. ـ 8.