المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (7) التّوبة والأنابة (3)

4

وإنّنا نرجو أن يكون مفاد هذا الحديث خاصّاً بمورده، وهو: ابتداع الدين، أمّا لو كان مفاده عامّاً لكلّ من ضيّع حقاً ثُمّ عجز عن أدائه، أو لكل من ضيّع حقاً من حقوق الناس ثُمّ عجز عن أدائه، فإنّني أخشى أن يكون كثير منّا مبتلى بمفاده، فتبقى توبتنا ناقصة، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون. وعلى أيّة حال، فالتوبة واجبة حتى بمقدارها الناقص، ونرجو أن تنفعنا ولو نفعاً ناقصاً.

ثُمّ إنّه لا يبعد أن يكون قيد العمل الصالح الوارد في بعض آيات التوبة إشارة إلى هذا الشرط من قبيل قوله تعالى:

1 ـ ﴿إلّا من تاب وآمن وعمل صالحاً...﴾(1).

2 ـ ﴿وإنّي لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى﴾(2).

3 ـ ﴿ثم ان ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم﴾(3).

وقد يُفترض أنّ تدارك الذنب بأداء حقوق الله، وحقوق الناس، داخل في الإنابة لا في التوبة، فالتوبة: رجوع إلى الله اعتذاراً عن الذنب. والإنابة: رجوع إليه إصلاحاً لما فرّط فيه. والتوبة: رجوع إليه عهداً. والإنابة: رجوع إليه وفاءً(4).

إلّا أنّ الظاهر: أنّ التوبة والإنابة لهما معنىً واحد، وهو: الرجوع.

وعلى أيّة حال، فليس هذا إلّا مشاحّة في الاصطلاح.

ومنها ـ أن يكون ذلك قبل انكشاف اُمور الآخرة أو قبل معاينة الهلاك كما ورد في القرآن: ﴿وليست التوبة للذين يعملون السيِّئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن...﴾(5).

وقال ـ أيضاً ـ عزّ من قائل في قِصَّة فرعون: ﴿حتى إذا أدركه الغَرَق قال آمنت أنه لا إله إلّا الذي آمنت به بنو اسرائيل وأنا من المسلمين. الآن وقد عصيت من قبل وكنت من المفسدين﴾(6).


(1) السورة 19، مريم، الآية: 60.
(2) السورة 20، طه، الآية: 82.
(3) السورة 16، النحل، الآية: 119.
(4) راجع منازل السائرين لعبدالله الأنصاري باب الإنابة، وهو الباب الرابع من أبواب البدايات.
(5) السورة 4، النساء، الآية: 18.
(6) السورة 10، يونس، الآيتان: 90 ـ 91.