المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (7) التّوبة والأنابة (3)

12

الأُولى ـ أنّها توجب ستر العيب في يوم القيامة ﴿يوم تُبلى السرائر* فما له من قوّة ولا ناصر﴾(1)؛ وذلك لقوله تعالى: ﴿... توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم أن يكفّر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنّات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه...﴾ ومن الواضح أنّ فضح الذنب في عرصات يوم القيامة من أشدّ أنحاء الإخزاء، أعاذنا الله منه.

وقد ورد التصريح بذلك أعني ستر عيب التائب توبة نصوحاً في حديث صحيح السند عن معاوية بن وهب قال: «سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: إذا تاب العبد توبة نصوحاً أحبّه الله، فستر عليه في الدنيا والآخرة. قلت: وكيف يستر عليه؟ قال: ينسي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب، ويوحي إلى جوارحه اكتمي عليه ذنوبه، ويوحي إلى بقاع الأرض اكتمي ما كان يعمل عليك من الذنوب، فيلقى الله حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب»(2).

والثانية ـ أنّها تبعث للتائبين في ظلمات يوم القيامة نوراً بين أيديهم وبأيمانهم، وهو المستفاد من ذيل الآية المباركة حيث قال: ﴿نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربّنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنّك على كل شيء قدير﴾.

وهذا التعبير قد ورد ـ أيضاً ـ في القرآن في صفة المؤمنين والمؤمنات في قوله تعالى: ﴿يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنَّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم* يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً...﴾(3).

ويبدو لي من ذيل هذه الآية الأخيرة: أنّ المنافقين يتخيّلون أنّ نور المؤمنين يشبه نور سراج الدنيا الذي يمكن لغير صاحب النور أن يستفيد منه لو جعله صاحب النور أمام من يريد الاستفادة؛ ولذلك يقولون: انظرونا كي يصبح النور الذي في مقابلكم في مقابلتنا أيضاً، فنستفيد منه، ولكنّهم لا يعلمون أنّ هذا النور ليس كنور المصباح الدنيوي، بل لو صحّ تشبيهه بالأنوار الدنيوية فالأنسب أن يشبّه بنور البصر الذي لا يقبل الاكتساب، بل هو نور ذاتيّ للبصر يستفيد منه صاحب النور فحسب، ولا يكون إلّا في عين صحيحة، فمن كان من حين ولادته وفي رحم أُمّه مثلاً أعمى لا يصح له أن يقول للمبصر: انظرني أقتبس من نورك، ولو قال له ذلك لأجابه المبصر بأنّ هذا النور إنّما جئتُ به من رحم أُمّي، فارجع إلى ورائك في رحم أُمك وائت بالنور، فكذلك يقال للمنافقين والمنافقات في يوم القيامة: إنّ المؤمنين قد أتوا بهذا النور من الدنيا فارجعوا وراءكم إلى الدنيا، والتمسوا لكم منها نوراً.


(1) السورة 86، الطارق، الآيتان:. ـ 10.
(2) الوسائل 16/71، الباب 86 من جهاد النفس، الحديث 1.
(3) السورة 57، الحديد، الآيتان: 12 ـ 13.