المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (7) التّوبة والأنابة (2)

2

وما ظنّك بإنسان تنزّه عن شرب الماء على رغم عطشه الذي لا يتصوّر ولا يطاق، لا لحرمة شرب الماء ولا لكراهته، بل ولا لأجل الإيثار، فإنّ تركه لشرب الماء على المشرعة لم يكن فيه إيثار على الحسين وأهل بيته، بل لأجل مجرّد المؤاساة لإمام زمانه وأهل بيته، وقال:

هذا الحسينُ واردُ المنونِ
وتشربين باردَ المعينِ

تاللهِ ما هذا فعالُ دينِ(1)فبالله عليك هل تحتمل بشأن هذا الإنسان أن يعصي الله طرفة عين؟!!

وما ظنّك بامرأة اُثكلت في يوم واحد بأولادها وإخوتها وسائر عشيرتها، وأُسرت وحُملت مع نسائها على الأقتاب، ومررن على مقتل الحسين والأصحاب، فنظرت إلى إمام زمانها عليّ بن الحسين (عليه السلام) تكاد نفسه تخرج من شدة المصاب، فقالت: ـ مسلّية لإمامها منجيةً له من الموت ـ: مالي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدّي وأبي وإخوتي؟ وأخذت تسلّيه وتذكر له أنّه سيأتي جمع لاتعرفهم فراعنة هذه الأمّة ـ وهم معروفون في أهل السماوات ـ إنّهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرّقة، فيوارونها وهذه الجسوم المضرّجة، وينصبون لهذا الطفّ علماً لقبر أبيك سيد الشهداء لا يُدرَس أثره ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام.. إلى أن ذكرت له (عليه السلام) حديث أُمّ أيمن. وعن هذا الطريق أنجت إمام زمانها من الموت(2) فبالله عليك هل تحتمل بامرأة كهذه أن تعصي الله طرفة عين؟!

وأمّا ما اشتهر من انحصار المعصومين في هذه الأمّة في أربعة عشر فالمقصود بذلك أولئك الذين خُلِقوا معصومين دون الذين عصموا أنفسهم بعد الولادة بالتربية وبحول الله اقتداءً بهم.

وفي ختام حديثنا عن ضرورة التوبة نشير إلى كلمتين نُقِلتا عن بعض السلف أو عن بعض العارفين، وهما وإن لم أرهما منتهيين إلى إمام معصوم ولكن فيهما عظة وعبرة، ونشير ـ أيضاً ـ إلى رواية لم أرها إلّا في نقل الغزالي، ولكن فيها ـ أيضاً ـ عظة وعبرة:


(1) البحار 45/41 تحت الخط.
(2) راجع البحار 45/179 ـ 183.