المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (7) التّوبة والأنابة (2)

10

أقول: أظنّ أنّ النار الصارخة هينار جهنم كما يشهد لذلك قوله تعالى: (إذارأَتْهُم مِن مَكان بَعيد (وقد فسّر بمسيرة سنة)(1) سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفيراً)(2).

وفي حديث مفصّل يصف جبرئيل نار جهنّم لرسول الله (صلى الله عليه و آله): «... لو أنّ مثل خرق إبرة خرج منها على أهل الأرض لاحترقوا عن آخرهم...»(3).

والروايات في أوصاف عذاب جهنم كثيرة لا تُحصى. وقد نسلّي أنفسنا عن كلّ واحدة منها بأنّه خبر واحد يحتمل الصدق والكذب، ولكن ماذا نفعل بتواترها المعنوي أو الإجمالي؟! ثُمّ ماذا نفعل بالقرآن الذي هو مليء بذكر أوصاف عذاب جهنم بما يقشعرّ جلد الإنسان لمجرّد سماعه، ولو لم تكن إلّا آية واحدة لكفت، وهي قوله تعالى: ﴿... كلما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب...﴾(4) وقد قالوا: إنّ الجلد هو مركز الإحساس بالألم، وليس اللحم؛ ولذا لو غرزت جلدك بإبرة تحسّ بالألم، ثم لا تحسّ بالألم بتعمق الإبرة في لحمك. وقد اعتاد جبّارُوا الدنيا باختيار سائر التعذيبات على التعذيب بالنار؛ لأنّ النار تنهي المعذّب وتميته، فيستريح من العذاب، ولكن نار جهنم لا تنهي المعذّب ولا تميته، بل الجلد يتبدّل متى نضج الجلد السابق. وقد قال الله تعالى: ﴿لايقضى عليهم فيموتوا...﴾(5).

وإنّي أختم الحديث عن مسألة الوعيد هنا برواية واحدة تامّة سنداً، وهي ما ورد(6) عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) قال: «ما خلق الله خلقاً إلّا جعل له في الجنّة منزلاً وفي النار منزلاً، فإذا سكن أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار نادى مناد: يا أهل الجنة أشرفوا، فيشرفون على النار، وترفع لهم منازلهم فيها، ثُمّ يقال لهم: هذه منازلكم التي لو عصيتم الله دخلتموها قال: فلو أنّ أحداً مات فرحاً لمات أهل الجنة في ذلك اليوم فرحاً؛ لما صرفَ عنهم من العذاب، ثم ينادي مناد: يا أهل النار ارفعوا رؤوسكم، فيرفعون رؤوسهم فينظرون إلى منازلهم في الجنة وما فيها من النعيم، فيقال لهم: هذه منازلكم التي لو أطعتم ربّكم دخلتموها، قال: فلو أنّ أحداً مات حزناً لمات أهل النار حزناً، فيورث هؤلاء منازل هؤلاء، ويورث هؤلاء منازل هؤلاء، وذلك قول الله: ﴿اولئك هم الوارثون* الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون﴾(7) ».


(1) البحار. / 288، نقلاً عن تفسير عليّ بن إبراهيم.
(2) السورة 25، الفرقان، الآية: 12.
(3) البحار 8/305.
(4) السورة 4، النساء، الآية: 56.
(5) السورة 35، فاطر، الآية: 36.
(6) البحار 8/287.
(7) السورة 23، المؤمنون، الآيتان: 10 ـ 11.