المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (7) التّوبة والأنابة (1)

9

فمَن يرى أنّ فلسفة الإيمان والطاعة عبارة عن الهروب من النار والطمع في الجنّة، فنفس الفلسفة هي التي تملي عليه التوبة؛ وذلك لأنّ الطريق الوحيد الذي أوجب الله ـ تعالى ـ على نفسه أن يغفر عن ذاك الطريق ولا يوجد فيه التخلّف، إنّماهو: التوبة؛ إذ قال الله تعالى: ﴿انما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً﴾(1) أمّا المغفرة بلا توبة فهي تتحقّق من الله ـ سبحانه وتعالى ـ بلا شك، ولكنّه لم يوجبها على نفسه، بل علّقها على مشيئته في قوله تعالى: ﴿... ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء...﴾(2) كما أنّ قبول شفاعة الشافعين علّقه على ارتضائه فقال: ﴿ولايشفعون إلّا لمن ارتضى...﴾(3) وقال أيضاً: ﴿يومئذ لا تنفع الشفاعة إلّا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً﴾(4) و وقال أيضاً: ﴿... ما من شفيع إلّا من بعد إذنه...﴾(5) وقال أيضاً: ﴿ولا تنفع الشفاعة عنده إلّا لمن أذن له...﴾(6) و وقال أيضاً: ﴿وكم من ملك في السماوات لا تُغني شفاعتهم شيئاً إلّا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى﴾(7) وقال أيضاً: ﴿... من ذا الذي يشفع عنده إلّا بإذنه...﴾(8) و إذن فالطريق الوحيد الذي وعد الله وعداً قطعياً بالمغفرة على أساسه إنّما هو التوبة.

وقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: «لا شفيع أنجح من التوبة»(9).

ومن يرى أنّ فلسفة الإيمان والطاعة عبارة عن إكمال النفس وتهذيبها وتصفيتها فالأمر هنا أوضح ممّا سبق، ونفس الفلسفة تدعوه إلى التوبة؛ لأنّ التوبة ماء يُغسَل به درن القلب وغباره وَرَيْنه. وقد ورد في الحديث عن الباقر (عليه السلام): «مامن عبد إلّا وفي قلبه نكتة بيضاء، فإذا أذنب ذنباً خرج فيالنكتة نكتة سوداء، فإن تاب ذهب ذلك السواد، وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطّي البياض، فإذا غطّى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبداً، وهو قول الله عزّ وجل: ﴿... بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون...﴾»(10).


(1) السورة 4، النساء، الآية: 17.
(2) السورة 4، النساء، الآية: 48.
(3) السورة 21، الأنبياء، الآية: 28.
(4) السورة 20، طه، الآية: 109.
(5) السورة 10، يونس، الآية: 3.
(6) السورة 34، سبأ، الآية: 23.
(7) السورة 53، النجم، الآية: 26.
(8) السورة 2، البقرة، الآية: 255.
(9) البحار 6/19.
(10) السورة 83، المطففين، الآية: 14، والحديث وارد في الوسائل 15/303، الباب 40 من جهاد النفس، الحديث 16 ونحوه الحديث 12، ص: 302.