نعم، هذا هو مفاد كلام إمامنا أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث يقول في صفة المتقين: «ينظُرُ إلَيْهِمُ النَّاظِرُ فَيَحْسَبُهُمْ مَرْضَى، وَمَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَض.. ويقول: لَقَدْ خُولِطُوا! ولقد خَالَطَهُمْ أمرٌ عَظِيمٌ...»(1).
وقد ذكّرتني قِصّة هذه الجارية مع حجّة الإسلام ـ حيث قالت عنه: إنّه كان ينجنّ بالليل، ويعقل بالنهار ـ بقِصّة رُويت في ترجمة سلمان (رحمه الله)، وهي: أنّه مرّ سلمان على الحدّادين بالكوفة، وإذا بشاب قد صُرِعَ والناس قد اجتمعوا حوله، فقالوا يا أبا عبدالله هذا الشاب قد صُرِعَ، فلو جئت فقرأت في أُذنه، قال: فجاء سلمان، فلمّا دنا منه رفع الشاب رأسه فنظر إليه فقال: يا أبا عبدالله لست في شيء ممّا يقول هؤلاء، لكنّي مررت بهؤلاء الحدّادين وهم يضربون بالمرازب(2) فذكرت قول الله تعالى: ﴿ولهم مقامع من حديد﴾(3).
الأمر الثاني ـ المضامين الراقية الشامخة العرفانية المنتشرة ضمن الكتاب والسنّة والأدعية، وقد مرّت الإشارة إِلى قطرات من هذا البحر في آخر حديثنا عن النقطة الرابعة.
فقل لي بالله: لو كانت الصلاة وروحها عبارة عن هذه الصلاة المألوفة لدينا، والتي تشتمل ـ إنْ شاء الله ـ على الإجزاء الفقهي، ولا تستغرق من الوقت أكثر من خمس دقائق، فما معنى قوله تعالى: ﴿وإنها لكبيرةٌ إلّا على الخاشعين﴾(4)؟! فأيّ ثقل ـ يا تُرى ـ يكون في صلاة كصلواتنا كي تكون كبيرة على غير الخاشعين منّا؟! وأيّ تحمّل واصطبار نحتاجه في صلاة كهذه الصلوات حتى يقول ـ الله ـ سبحانه وتعالى: ﴿وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها...﴾(5)؟!
ولو كانت غاية الآمال عبارة عن جنّة عرضها السماوات والأرض فما معنى قوله تعالى: ﴿... ورضوان من الله أكبر...﴾(6)؟! وما معنى قوله تعالى: ﴿وجوه يومئذ ناضرة* إِلى ربّها ناظرة﴾(7).