المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (5) ثوب التّقوى وحقيقته

10

ولو كان أشدّ العذاب عذاب نار جهنم فما معنى قول إمامنا أمير المؤمنين (عليه السلام) في دعاء كميل: «... صبرت على عذابك، فكيف أصبر على فراقك»؟! ألا تحدس معي أنّ الفراق في كلام عليّ ـ تلميذ القرآن ـ قصد به نفس ما قصد بالحجب في القرآن الكريم حيث يقول الله تعالى: ﴿كلاّ إنّهم عن ربّهم يومئذ لمحجوبون﴾(1)؟!

ولو كانت النار في الآخرة منحصرة في النار الماديّة التي تتبادر إِلى أذهاننا من قوله تعالى: ﴿كلاّ إنّها لظى* نزّاعة للشوى﴾(2) وهي المفهومة ـأيضاًـ من قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «آه من نار تنضج الأكباد والكلى، آه من نار نزاعة للشوى، آه من غمرة من ملهبات لظى»(3).

فما معنى قوله تعالى: ﴿كلاّ ليُنبذنّ في الحطمة. وما أدراك ما الحطمة. نار الله الموقدة. التي تطّلع على الأفئدة. انها عليهم مؤصدة. في عمد ممدّدة﴾(4)؟! فأي نار هذه التي تطّلع على الأفئدة؟ وأي فؤاد هذا؟ هل هو القلب المادّي الصنوبري؟ فلئن كان ذاك فأيّ فرق مهم بين أن تبدأ النار بحرق الجلد وتنتهي إِلى الفؤاد أو العكس؟! أوليس هذا يعني: أنّ الفؤاد هنا بمعنى القلب المعنوي المقصود بقوله تعالى: ﴿أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها او آذان يسمعون بها فانها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور﴾(5). وبقوله تعالى: ﴿ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجنّ والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها...﴾(6). أوليس هذا يعني: أنّ هذه النار نار أُخرى تطّلع على القلب المعنوي؟! أولا تفكّر في معنى ﴿مؤصدة﴾أي: مطبقة ومغلقة، فالنار التي تطّلع على الفؤاد أليس معنى إطباقها وإغلاقها كونها مطبقة ومسدودة في داخل الإنسان، فهل يناسب هذا النار المادّية؟! ثُمّ ما معنى كون هذه النار في ﴿عمد ممدّدة﴾ أوليست العمد الممدّة لذلك القلب المعنوي، وإلّا فأعمدة البدن تنشوي بالنار المادّية، وتتجاوز النار منها؟! ثُمّ ما معنى ﴿الحطمة﴾ هل المقصود بها التحطيم المادّي للجسم المادّي؟ ونحن نعلم أنّ الجسم المادّي يبقى قائماً؛ كي يشتدّ عليه ألم النار، بدليل أنّه بمجرد أن تنضج الجلود يقول الله تعالى: ﴿...بدّلناهم جلود غيرها...﴾(7) أفلا يعني ذلك: أنّ التحطيم تحطيم معنوي أعاذنا الله ـ تعالى ـ من ذلك كلِّه.


(1) السورة 83، المطففين، الآية: 15.
(2) السورة 70، المعارج، الآية: 15 ـ 16.
(3) البحار 41/12.
(4) السورة 104، الهمزة، الآية:. ـ 9.
(5) السورة 22، الحج، الآية: 46.
(6) السورة 7، الأعراف، الآية: 179.
(7) السورة 4، النساء، الآية: 56.