المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (4) حقائق عن التّصوّف

7

إنّ قولك يخالف فعلك، قال شقيق: وكيف ذلك؟ فقال له الوثني: أنت ترى أنّ لك خالقاً يرزق المخلوقين وبرغم هذا الاعتقاد تتحمل عناء ومشقة السفر إِلى هذه البلاد لطلب الرزق. فتنبّه شقيق على أثر هذه الكلمة، ورجع إِلى بلده، وتصدّق بكلِّ ما يملك، ولازم العلماء والزهّاد إِلى آخر حياته.

وهو وإن لم يذكر بشأنه الاهتداء إِلى خطّ الإمامة الثابت لدى الشيعة، ولكن رُويت عنه قِصَّة طريفة مع الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، وهي القِصّة المرويّة في كتاب كشف الغُمّة لعليّ بن عيسى الإرْبِليِّ: من أنّ شقيقاً قال: «خرجت حاجّاً في سنة تسع وأربعين ومئة، فنزلت القادسية، فبينا أنا أنظر إِلى الناس في زينتهم وكثرتهم فنظرت إِلى فتىً حسن الوجه، شديد السُمرة، ضعيف، فوق ثيابه ثوب من صوف مشتمل بشملة، في رجليه نعلان، وقد جلس منفرداً، فقلت في نفسي: هذا الفتى من الصوفيّة يريد أن يكون كَلاًّ على الناس في طريقهم، والله لأمضين إليه، ولأُوبّخنّه، فدنوت منه فلمّا رآني مقبلاً قال:

يا شقيق، اجتنبوا كثيراً من الظن؛ إنّ بعض الظن إثم، ثمّ تركني ومضى. فقلت في نفسي: إنّ هذا الأمر عظيم، قد تكلّم بما في نفسي، ونطق باسمي، وما هذا إلّا عبد صالح لألحقنّه ولأسألنّه أن يحلّلني، فأسرعت في أَثَره، فلم ألحقه، وغاب عن عيني. فلمّا نزلنا واقصة وإذا به يصلّي، واعضاؤه تضطرب، ودموعه تجري، قلت: هذا صاحبي أمضي إليه واستحلّه، فصبرت حتى جلس، وأقبلت نحوه، فلمّا رآني مقبلاً قال: يا شقيق، اتل ﴿وانّي لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى﴾(1) ثمّ تركني ومضى. فقلت: إنّ هذا الفتى لمن الأبدال، لقد تكلّم على سرّي مرتين، فلمّا نزلنا زُبالة إذا بالفتى قائم على البئر، وبيده رَكوة يريد أن يستقي ماءً، فسقطت الرَّكوة من يده في البئر وأنا أنظر إليه، فرأيته قد رمق السماء، وسمعته يقول:

أنْتَ ربّيْ إذا ظمئتُ إِلى الماءِ
وقوتيْ إذا أردتُ الطعاما

اللهمّ سيدي مالي غيرها فلا تعدمنيها.


(1) خدمات متقابل اسلام وايران: ص646.