المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (3) علائم فاضحة

9

ثمّ ينقل صاحب هذا الكلام عمّن يسمّيه بالشيخ وليّ الله الدهلوي: أنّه قال في كتاب الهمعات: أَفْهَموني أنّ قطع علاقة الروح عن البدن يتمّ بعد خمس مئة سنة من الموت.

أقول: إنّ إمكان الإنسان وحدوثه ذاتيّان للإنسان، فلا معنى لانفصالهما عن الإنسان حتى بعد الموت، فحتّى التجرد بعد الموت لا يعني الفنآء الحقيقي في الله.

وخلاصة الكلام: أنّ الانمحاء والاضمحلال بمعنى انشغال الذهن بالله وحده، أو عدم رؤية شيء غير الله بعين البصيرة شيء قد يحصل بالرياضة، أمّا الاندكاك الواقعي لواقع الروح أو لواقع الجسم والروح من باب أن العالم بأجمعه تجلٍّ من تجلّيات الربّ فهذا أمر سابق على كل الرياضات، وليس أمراً يحصل بالرياضة. وأمّا الاندكاك بمعنى ارتفاع الحدود الإمكانية والماهويّة والنقائص التابعة لذلك جسماً أو روحاً، أو جسماً وروحاً فهذا من المستحيلات؛ لأنّها أُمور ذاتية للممكن الذي لابدّ من افتراض وجود تعلقي له، فلا معنى لانفكاكها عن السالك ووصول السالك إِلى الربّ.

3 ـ الاحتيال والمخادعة بما قد ينطلي على بعض السذّج. وعلى سبيل المثال أُشير إِلى قصتين مرويتين في كتاب روح مجرد عن الحدّاد:

الأولى(1) ـ كان الحداد يسافر مع خمسة آخرين من كربلاء إِلى الكاظمية، فطالبهم السائق أو صانعه بأُجرته، وقال: كم نفر أنتم؟ فقال الحداد: خمسة، وقال السائق: بل أنتم ستّة، فحسب الحدّاد الركّاب وقال مرة أخرى نحن خمسة، وكرّر الصانع مرّة أُخرى: أنتم ستّة، قال الحدّاد: (خوي ما تشوف؟! هاي(2) واحد أُوهاي اثنين أوهاي ثلاثة أُوهاي أربعة أوهاي خمسة بعد شتگول أنت).

فقال له: (يا سيد أنت ما تحاسب)(3) نفسك. وقد قال الركّاب من الغريب أنّ الحدّاد كان قد فقد نفسه إِلى حدّ لم يلتفت إِلى نفسه حتى بعد قول صانع السائق: (انت ما تحاسب نفسك) فقد كان الحدّاد غارقاً في عالم التوحيد، ومنصرفاً عن الكثرة إِلى مستوى لم يكن يمكنه برغم كل هذا الالتفات إِلى بدنه وحسابه في زمرة الركّاب.


(1) روح مجرد: 75.
(2) يبدو أنّ كلمة هاي استعملت هنا بدلاً عن كلمة هذا من باب جهل مؤلف الكتاب باللغة العربية الدارجة.
(3) وهذا خطأ آخر من المصنف نتيجة الجهل باللغة، فهو يقصد: ما تحسب.