المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (3) علائم فاضحة

6

«وقد تسمّى قوم من الصوفية بالملامتيّة، فاقتحموا الذنوب فقالوا: مقصودنا: أن نسقط من أعين الناس، فنسلم من آفات الجاه والمرائين. وهؤلاء مثلهم كمثل رجل زنى بامرأة فأحبلها، فقيل له: لم لا تعزل؟ فقال: بلغني أنّ العزل مكروه، فقيل له: وما بلغك أن الزنى حرام؟!».

وفي ختام الحديث عن إرتكابهم لمحرمات الشريعة أنقل لكم ـأيضاًـ عن سفينة البحار(1) ما رواه عن كتاب (تلبيس إبليس) لابن الجوزي بشأن الغزالي، والنصُّ ما يلي:

«قال في كتاب (تلبيس إبليس) ص597 وقد حكى أبو حامد الغزالي في كتاب الإحياء قال: كان بعض الشيوخ فيبداية إرادته يكسل عن القيام، فألزم نفسه القيام على رأسه طول الليل؛ لتسمح نفسه بالقيام عن طوع. قال: وعالج بعضهم حبّ المال: بأن باع جميع ماله ورماه في البحر، إذا خاف من تفرقته على الناس رعونة الجود ورياء البذل. قال: وكان بعضهم يستأجر من يشتمه على ملأ من الناس؛ ليعوّد نفسه الحلم. قال: وكان آخر يركب البحر في الشتاء عند اضطراب الموج ليصير شجاعاً.

قال المصنف (أي صاحب تلبيس إبليس): أعجبُ من جميع هؤلاء عندي أبو حامد كيف حكى هذه الأشياء ولم ينكرها؟! وكيف ينكرها وقد أتى بها في معرض التعليم؟! وقال قبل أن يورد هذه الحكايات: ينبغي للشيخ أن ينظر إِلى حالة المبتدئ، فإن رأى معه مالاً فاضلاً عن قدر حاجته أخذه وصرفه في الخير، وفرّغ قلبه منه حتى لا يلتفت إليه، وإن رأى الكبرياء قد غلب عليه أمره أن يخرج إِلى السوق للكدّ، ويكلّفه السؤال والمواظبة على ذلك، وإن رأى الغالب عليه البطالة استخدمه في بيت الماء وتنظيفه، وكنس المواضع القذرة، وملازمة المطبخ ومواضع الدخان، وإن رأى شره الطعام غالباً عليه ألزمه الصوم، وإن رآه عزباً ولم تنكسر شهوته بالصوم أمره أن يفطر ليلة على الماء دون الخبز، وليلة على الخبز دون الماء، ويمنعه اللحم رأساً. قلت (يعني ابن الجوزي): وإنّي لأتعجّب من أبي حامد كيف يأمر بهذه الأشياء التي تخالف الشريعة، وكيف يحلّ القيام على الرأس طول الليل، فينعكس الدم إِلى وجهه ويورثه ذلك مرضاً شديداً؟! وكيف يحل رمي المال في البحر وقد نهى رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن إضاعة المال؟! وهل يحلّ سبّ مسلم بلا سبب؟! وهل يجوز للمسلم أن يستأجر على ذلك؟! وكيف يجوز ركوب البحر زمان اضطرابه، وذلك زمان قد سقط فيه الخطاب بأداء الحج(2)؟! وكيف يحل السؤال لمن يقدر أن يكتسب؟! فما أرخص ما باع أبو حامد الغزالي الفقه بالتصوّف».


(1) سفينة البحار. / 625 ـ 626.
(2) هذا راجع إِلى الأزمنة السالفة التي كان ينحصر فيها طريق الحج من بلد يفصله البحر عن الحج في ركوب السفينة.